يبن الرابع من تموز، عيد الاستقلال الأميركي، والرابع عشر من تموز، عيد الثورة الفرنسية التي أسقطت الملكية وحكم الإقطاع وأقامت الجمهورية، علاقة ملتبسة ومعقدة منذ لحظات الولادة قبل قرنين ونيف.
فالفرنسيون يباهون دائماً بأنهم قاتلوا “بقيادة لافييت) مع الأميركيين الطامحين إلى الاستقلال، ضد الاستعمار البريطاني، في حين يفاخر الأميركيون بأن ثورتهم قد سبقت الثورة الفرنسية ومهدت لها.
في بيروت ، وعبر احتفالي السفارتين بالعيد الوطني لكل من الدولتين الصديقتين اللدودتين، يمكن لأن “فضولي” الاستنتاج بأن حرب المباهاة والمفاخرة ما تزال مستمرة، وأنها في لبنان تتخذ أبعاداً ملفتة أبرز دلالاتها أن “التحالف” قد يكون قائماً ومتيناً في أي مكان من العالم إلا هنا، في بيروت!
لأسباب تاريخية، تحرص السفارة الفرنسية على إضفاء طابع شعبي على احتفالها السنوي في قصر الصنوبر الذي من على درجه أعلن الجنرال غورو قيام “دولة لبنان الكبير”،
بالمقابل تعنى السفارة الأميركيةن منذ إعادة فتح أبوابها، بإظهار استقطابها لأهل القرار من ساسة وحزبيين وإعلاميين ونجوم مجتمع، ولا يخفي السفير الأميركي الحرص على إظهار شيء من الأبوة لجمهورية الطائف، ملمحاً إلى أن الجمهورية الأولى الفرنسية المنشأ والهوى والإدارة قد رحلت إلى كتب التاريخ.
فأما “لبنانيو العهد الجديد” فيتبارون في إظارأتقانهم للغة الإنكليزية، ويتقصدون الإشارة إلى أن أبناءهم جميعاً من خريجي الجامعات الأميركية، وأنهم وأبناءهم من الآخذين بطريقة الحياة الأميركية، ويمكنك أن تلحظ مباشرة أنهم بشكل عام أكثر شباباً من أسلافهم “لبنانيي العهد القديم” (الفرنسي).
الملاحظة الثانية أن تزايد عدد حاملي الجنسية الفرنسية من اللبنانيين، وأساساً بسبب ويلات الحرب والهجرة القسرية والرعاية الفرنسية الرسمية للموجات الأولى من المهجرين، كان يترافق مع تراجع طردي للنفود الفرنسي في لبنان حتى بات الحديث عن “علاقة خاصة” بين البلدين ذا طابع عاطفي وتاريخي أكثرمما هو تعبير عن “حالة سياسية”.
على أن مناخاً ودوداً يسري في احتفال السفارة الفرنسية، ربما لأن فيه نكهة الذكريات، خصوصاً وأن كثيراً ممن يجيئون إليه يحملون ألقاباً مفخمة مشفوعة بكلمة “سابقاً”، فهم يستعيدون في أفياء السفارة التي كانت مندوبية سامية دفء زمنهم الجميل.
“جمهورية الطائف” ضيفة شرف في احتفال اليوم الوطني الفرنسي، في حين يعاملها السفير اأميركي على أنها – بمسؤوليها الكبار والمتسلقين درج المسؤولية – “من أهل البيت”، والبعض يقول “من حواضر البيت”،
متى يكون للبنان “عيده الوطني” حيث يكون السفيران الكبيران، بكل ما أخذه الخلف عن السلف، ضيفين، مجرد ضيفين، وبالمعنى الشرقي للكلمة، ولا يتحدث إلينا أيهما بلهجة “الأب الصالح” وبتلك النبرة التي تستحضر كل الجنرالات من غورو إلى شوارزكوف؟!
سفاحو الشجر قتلة الورد!
لم يصدر العفو عن بيروت بعد، فما تزال عنقها تحت المقصلة، وإن انتقلت الإمرة من “المقاتل” الهمجي إلى “المقاول” الهمجي،
والمدينة – الأميرة، بلا نصير ولا من يحمي ذاكرتها من الهتك وشجيراتها القليلة من الإعدام العلني المشهود وبعض معالمها “الحضارية” من التهشمي كأن تسوّر بالأسلاك الشائكة والأنوار الفاتكة وكلاب الحراسة الكلبة…
وإذا كانت “السوليدير” تمضي في استئصال ملامح الوجه و”العلامات الفارقة” والمعالم التي كانت تقدم بيروت للعالم عبر البطاقات البريدية، فإن “مقاولاً” آخر يستأصل الشجر والورد والياسمين وكل عرق أخضر من أنحاء “غابة الحجارة” هذه التي تكاد الإسمنت المسلح يخنقها بأكثر مما تفعل خطة النهوض الاقتصادي.
آخر مآثر المقاولين السفاحين الإعدام الجماعي لمجموعة من أشجار الكينا العريقة التي كانت تلون بالأخضر محيط فندق بريستول، مستبقية لمسة إنسانية وجمالية في هذا الحي.
قبل الفجر جاءت البولدوزرات الضخمة والجرافات طويلة الأعناق والتراكتورات الوحشية، والمناشر التي لها أسنان القرش، وأصدر المقاول المتحضر أمره، فانهال الجميع على ذلك الوشم الأخضر المزين وجه “الأميرة”.
في اليوم الثاني تكررت المحاولة حتى أبيدت آخر ورقة خضراء،
للمناسبة: من المرجع الصالح للشكوى ضد مقاول يستبيح ما يتبقى من وقت راحة للناس، للمتعبين والمختنقين بالضائقة الاقتصادية والحس الديموقراطي المرهف عند الحكومة المذهبة.
تستبيح كل الحرمات وتبيد كل عرق ينبض، وتستأصل النسمات.
إنهم يقتحمون علينا غرف نومنا، مع أول خيط ضوء، مثل قوات غازية، فهل يريدوننان أن نفيق مذعورين لنهتف بحياة الحكومة؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان