كل ما في المنطقة يشير إلى أننا على أبواب “سويس” أخرى.
والذي حصل بالامس في “صحراء لوط” الإيرانية ليس إلا مقدمة فعلية لمعركة هائلة وفاصلة كتلك التي شهدتها الأرض العربية في بداية الخريف من العام 1956.
وأوجه التشابه بين الحالتين، بكل الملابسات المحيطة، كثيرة جداً، ويمكن إيران أبرزها على سبيل المثال وليس الحصر:
1 – كانت حرب السويس محاولة غربية بالقوة لضرب حركة ثورية ناشئة في العالم غير العربي، وإسقاط قرارها الخاص وإجهاض إرادتها الحرة، قبل أن تكتمل ملامحها وتحسم خياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وها هو العدوان الأميركي المباشر على إيران يجيء محاولة غربية بالقوة لتحقيق الغرض نفسه في بقعة أخرى من العالم غير الغربي: إجهاض حركة ثورية ناشئة وعظيمة التأثير في من حولها وما حولها.
2 – سبقت حرب السويس ورافقتها تغطية سياسية منظمة وشاملة امتدت شهوراً طويلة وعلى خطين متوازيين، تمثل الأول بحملة تحريض شنتها الرجعية العربية (نوري السعيد ومن معه)، وتمثل الخط الثاني بحملة دبلوماسية واسعة قادتها بريطانيا وفرنسا لإيهام الرأي العام العالمي باستبعاد الحلول العسكرية (مؤتمر لندن) ومن ثم لتخدير الضحية وجرجرتها على طريق المساومات القاتلة.
ويكاد يكون ما فعلته واشنطن على امتداد الشهور الأخيرة تكراراً حرفياً لما فعلته من قبل لندن وباريس.
ومن أسف أن بعض الأنظمة العربية قد لعبت الدور نفسه الذي لعبته أنظمة عربية كانت قائمة في العام 1956.
وإذا كان العرب لا يزالون يذكرون لنوري السعيد دوره “السري” الشهير في تحريض ايدن على ضرب عبد الناصر وإسقاطه، فإنهم ليسوا بحاجة إلى التقدير أو التخمين بالنسبة لأنور السادات ودوره التحريضي اليومي المعلن لكارتر لضرب الخميني وثورته في إيران.
وكما كان دور نوري السعيد يخفي خلفه تواطؤاً عربياً، سرعان ما كتشفه مؤتمر بيروت (بضيافة كميل شمعون وقيادته)، فإن دور السادات الحالي يخفي تواطؤاً مماثلاً ينتظم فيه عدد من الحكام العرب، وإن كان العديد منهم ينتظر الآن نجاحاً للمعتدي ليحتمي به وليعلن من ثم ترحيبه “بتحرير إيران والمنطقة من الدكتاتورية والرجعية الدينية التي تريد إعادة المنطقة إلى الوراء”.
3 – كانت حرب السويس ذروة صدام بين عالمين ومجتمعين، وإلى حد ما: أيديولوجيتين متناقضيتين، ولهذا جاءت نتائجها حاسمة في إعادة صياغة العالم وتوازناته وحركة صراع القوى فيه.
فبعد السويس برز إلى الوجود ما يسمى العالم الثالث أو “عالم الشعوب” ومعه تحول “الحياد” من موقف استنكافي وسلبي وغير ذي قيمة عملية إلى حركة سياسية فاعلة (عدم الانحياز) سرعان ما اكتسبت مضموناً تقدمياً واضحاً في الموقف من الاستعمار والاستعماريين وناهبي ثروات الشعوب وحقها في التقدم بل وفي الحياة ذاتها.
وليس من شك في أن “حرب صحراء لوط” مرشحة – مع الاحتمالات المفتوحة لتطوراتها – لأن تنتهي بنتائج حاسمة، إن على صعيد إيران وثورتها بكل التفاعلات العظيمة التي أحدثتها وتحدثها وستحدثها في المنطقة، أو على صعيد الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها الأحمقن بوصفها زعيمة لمعسكر الإمبريالية في العالم.
وإذا كانت الظروف قد حرمت العرب شرف قيادة هذه المعركة التاريخية وأعطتها لأخوانهم الإيرانيين، فلا أقل من ألا يحرموا أنفسهم من ثمار نتائجها.
إن الولايات المتحدة أعظم قوة عسكرية واقتصادية في العالم لكن كلمتها أو قرارها ليس قدر العالم، ومن الممكن – كما أثبتت العديد من التجارب وآخرها في إيران – إسقاط هذا القرار وإلحاق الهزيمة به.
إن المتخوفين من نجاح الثورة في إيران هم الذين سيدفعون الثمن الباهظ لهذا النجاح مع اكتماله بضرب وإسقاط مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة.
وليتذكر هؤلاء مصير أولئك الذين تخوفوا من نجاح جمال عبد الناصر في العام 1956: لقد تحولوا إلى أوراق خريف وأخذوا يتناثرون الواحد بعد الآخر، برغم كل ما كانوا يتمتعون به من “عطف” ومن “رعاية” وحتى من حماية عسكرية يوفرها الغرب بوصفه المسؤول عن “رعاياه” في ما يسميه “العالم الحر”.
أكثر من هذا: إن بريطانيا – على سبيل المثال – لم تذرف دمعة واحدة على صديقها نوري السعيد، بل إنها لم تتورع عن توجيه اللوم إليه وتحميله مسؤولية ما حصل له، لأنه لم يقدر مشاعر شعبه!
والحالة نفسها تكررت مع شاه إيران وأصدقائه الأميركيين،
ولسنا نطالب أمثال هؤلاء بموقف وطني لا سمح الله، ولكننا “نجلهم” عن أن يكونوا أغبياء إلى هذا الحد… الساداتي!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان