ارتبط سقوط النظام الشيوعي (؟) الذي كان قائماً في دول أوروبا الشرقية بمجموعة من الظواهر التي تشكل حالة عدائية مجانية للعرب قاطبة، “بيسارهم” ويمينهم والوسط، إن جازت عليهم مثل هذه التصنيفات العقائدية…
بين تلك الظواهر:
1 – كان الشرط الأول للانتماء إلى المعسكر الآخر، العالم الحر، إعادة العلاقات فوراً وبغير إبطاء أو تحفظ مع إسرائيل.
فالديموقراطية تعني – بالأميركاني – تأييد إسرائيل ودعمها وتعزيز قدراتها وتمكينها من إألحاق مزيد من الهزائم “بعدوها” العربي.
2 – ترافق مع ذلك نمو بل تهييج لرواسب الذكريات الصليبية تحت لافتة إعادة الاعتبار إلى الكثلكة وكنيستها وباباها وغلى الدين المسيحي عموماً.
3 – ولقد تم ذلك كله بطريقة فجة وبتسرع أقل ما يقال فيه إنه يشكل إهانة لشعوب تلك الأقطاروأنظمتها “الحرة” الجديدة.
فإعادة العلاقات مع إسرائيل لم تلحظ، مثلاً، الطبيعة العنصرية لهذه الدولة التي قامت بالحرب وبالحرب وحدها تبقى.
ولم تلحظ إن هذه الدولة التي يصنفها الغرب “واحة الديموقراطية”، في الشرق الأوسط، تمارس سياسة إبادة للشعب العربي الفلسطيني، فتقتلعه من أرضه وتطارده في أربع رياح الأرض وتنكر عليه ابسط شروط الحياة.
بل إن هذه الدول التي أمضت في صداقة العرب أكثر من ثلاثين سنة ونعمت بخيراتهم. فباعتهم أسوأ بضائعها بأغلى الأثمان وصدرت إليهم الخبرات والعمال بمن في ذلك من كانوا في السجون يمضون مدد العقوبة على جرائم اقترفوها.
بل إن هذه الدول لم تحفظ لشعوبها الحد الأدنى من الكرامة فانبطحت على أغتاب إسرائيل معتذرة عن ماضيها المشين. وبالغت في نفاقها والتودد إليها. وقدمت لها الهدايا والتعويضات عن جرائم لم تقترفها وأدانت تاريخها لعلها تكسب الرضا الإسرائيلي السامي الذي قد يفتح لها باب واشنطن.
أي إن العرب يشتمون بفلوسهم، هنا أيضاً كما في المعسكر الرأسمالي الذي لا يتعب من إبداء احتقاره لهم واستهانته بدولهم العديدة ذات الأعلام (والقيادات) الطاووسية المزركشة.
أخطر ما في الأمر إن هذه الدول (الصديقة سابقا)ً تمد إسرائيل الآن بالمدد البشري الذي ينقصها لكي تكمل اجتياح الأرض العربية كلها، في ما وراء فلسطين.
لم يخطر ببال واحد من القادة الجدد الذين حملتهم “الحرية” إلى سدة الحكم أن يربط تجديد اعترافه – مثلاً – بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها بعد 1967، أو مطالبتها بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو وقف حملات الإبادة الوحشية في مواجهة الانتفاضة المجيدة لشعب فلسطين العظيم، أو – ومن باب الاستطراء – مطالبة المحتل الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي اجتاحها في غزو 1982.
لكان “أبناء الحرية” الجدد في شرقي أوروبا يعلنون إيمانهم بإسرائيل هذه تحديداً: إسرائيل المحتلة. قاتلة العرب في فلسطين وخارجها، القائمة بالحرب والباقية بالحرب والمستوردة عدة الحرب وبشرها من “الغرب” الذي ما توحد إلا في عدائه للعرب.
في أي حال، لو كان يحسب للعرب حساب لما كانت هذه “الدول الصديقة” التي غنمت من العرب مثل ما غنمت من شعب روسيا العظيم وأكثر، لتجرؤ على تحديهم واستعدائهم بهذا الشكل السافر.
ويا ما أحلى أوروبا الغربية حيال هذه القادمة الآن لتعيد لليهود مجدهم القديم ولو على حساب الدنيا كلها، بما في ذلك شعوب أوروبا الشرقية ذاتها!!
السلطة والوحش!
ثلاثة من الرؤساء الأفارقة، على الأقل، يقدمون “قرابين” يومية من شعوبهم لكي يستمروا في السلطة!
1 – صموئيل دو، العريف الذي نط ذات يوم، وفي غفلة من ذوي الشأن، على السلطة في ليبيريا فأخذها اغتصاباً، يرفض مغادرة موقعه الفخم طالما استمر في بلاده الفقيرة أثر للحياة!
لقد سقط حتى اليوم آلاف الضحايا، ومؤكد إن آلافاً أخرى من الضحايا ستسقط في الغد وبعد الغد وربما إلى أجل غير مسمى،
ولقد دمرت المدافع والصواريخ والدبابات والمعارك الضارية بين “الثوار” وبين قبيلة دو وجيشه، معظم العمران الذي كان موجوداً في هذا الثغر الأفريقي الذي قلد مثله الأعلى الولايات المتحدة الأميركية في كل شيء حتى في حربها الأهلية، ولكن بطريقة كاريكاتورية وممسوخة.
لكم تصبح وحشية تلك السلطة التي يدفع صاحبها الوطن وشعبه ثمناً لها!!
2 – زياد بري، رئيس الصومال، الذي يكاد لا يمضي يوم دون أن نسمع عن مذبحة جرت حيث أقام أو عبرأو مر خياله من فوقها،
آخر المذابح تلك التي وقعت قبل يومين في الاستاد حيث كان زياد بري يشهد مباراة في كرة القدم،
وقبلها كانت جرت محاولة لإسقاطه بالقوة بالهجوم على قصره ذاته.
وقبلها جرى الكثير مما لم نسمع به، وسيجري الكثير قبل أن يختم هذا الرئيس الدموي تاريخه بكلمة “كان”.
لندع العقائد جانباً،
ولكن لنتذكر معاً إن هذا “الرئيس” قد حكم الصومال بثوب اليسار فمزق وحدتها،
ثم حكمها بلبوس اليمين فأسقطها في بؤس لن تنهض منه إلا إذا هدرت جزءاً أساسياً من مستقبلها،
متى يقتنع أمثال هذا “البري” إن العيب فيهم وليس في الشعب الذي لم يقبلهم لا كأدعياء يسار ولا كوكلاء لليمين الأميركي الجبار؟!
3 – منغستو هيلا مريام، العسكري الذي صار شيوعياً في غمضة عين ولكنه بقي صديقاً في العين الأميركية حتى الساعة، والذي يستضيف اليوم في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا القمة السنوية لمنظمة الوحدة الأفريقية.
لقد استنفد هذا القائد “الثوري” شباب الأحباش في ا لحرب اليائسة التي يشنها منذ سنين طويلة ضد الشعب الأريتري وحقه في تقرير مصيره،
ربما لهذا تناقلت الأخبار إنه قد استدعى إلى الخدمة العسكرية جميع الرجال بمن فيهم الشيوخ حتى سن الثمانين!
هل هم رؤساء أم وكلاء للشيطان هؤلاء الذين يهدرون دماء شعوبهم، ويقيمون عروشهم فوق أكوام من الجثث، ويذهبون إلى النوم بعد ذلك وكأنهم أبرياء؟!
كلفة الحاكم اليومية أغلى من أن يستطيع دفعها الشعب البائس،
ربما لهذا يضيع الغد،
ربما يستنفد الغد في “تغذية” الحاكم والتمديد لعرشه يوماً إضافياًز
في أي حال كانت لنا تجربة مع جنرال حاول على امتداد سنة أو أكثر قتل البلاد وأهلها ليبقى،
وها نحن، لشدة تعلقنا بالديموقراطية، نعرض عليه أن يرضى بمنصب أدنى قليلاً من الرئاسة… الغالية أكثر من ضحاياها!
وجوه وأقدام
باتلمقابل، استكثرت حضارة الرجل الأبيض على الأفريقي أن يكون سليم القدمين.
ولقد شنت “الحروب” على فريق الكاميرون، وتحولت المباريات التي شارك فيها إلى أتون للأحقاد والكراهية والعنصرية وقد كشرت عن أنيابها البيضاء، هي الأخرى.
كان القرار شبه معلن: ممنوع أن يصل فريق أفريقي، وفريق الكاميرون على وجه التحديد، إلى الدور النهائي، فكيف إذاً – لا سمح الله – فاز بكأس العالم،
ما كان أقل الرياضة في مباريات كرة القدم لعام 1990 في إيطاليا وما كان أكثر (وأبشع) السياسة،
ما كان أروع الفتية السمر وهم يحاولون إثبات جدارتهم على فعل شيء، أي شيء، ولو كلاعبي كرة،
وما كان أكره ذلك الرجل الأبيض الذي يريد أن يحتكر لنفسه كل شيء، كل شيء، كل شيء،
وفي لحظات، بدا على شاشات التلفزيون في العالم كله وكأن أقدام الرجل الأسود أكثر نظافة من وجوه العديد من الرجال البيض…
البيض إلى حد التشابه مع العدم، مع الموت!
II الخ نفسك وعش!!
تتبارى واشنطن وتل أبيب في تقديم العروض السخية إلى شعب فلسطين بينما انتفاضته المجيدة تنزف فتنزف معها حقوق الإنسان في كل أرض.
يقول العرض الأميركي للفلسطيني: اخرج من فلسطين، واهجر الكفاح المسلح واترك منظمة التحرير، وبدل من بشرتك وسيمائك واسمك، واعلن البراءة من عروبتك فنعترف بك!
ويقول العرض الإسرائيلي للفلسطيني: اخرج من الحياة، جد عن نفسك ولنفسك البديل، فاعترف بك،
لا تكن أنت نعترف بك بوصفك أنت!!
الغ نفسك، أرضك، تاريخك، ذكرياتك، قلبك، حبك الأول، الغ عقلكن الغ علاقتك بذاتك، الغ علاقتك بالحياة فنعترف بك ويكون لك العمر الطويل،
المهم ألا تكون أنت أنت،
فإن كنت أنت أنت، الفلسطيني وفلسطين، أنت الأرض والبحر، الشمس والقمر، الهواء ونجمة الصبح، عطر زهر الليمون وزيت الزيتون، فمن هو الآخر؟1
III من يحصن الصندوق؟!
يكاد “الصندوق الدولي لمساعدة لبنان” يكون الزهرة اليتيمة التي نبتت على مزبلة الحرب الأهلية في لبنان.
ومع تقدير هذا التحول إلى الجدية في بعض السياسات العربية والأخذ بالمنهجية،
ومع التغاضي عن “تدويل” الصندوق في بلد يتحسس أكثر ما يتحسس لأي محاولة تدويل لمسألته التي صارت قضية وتكاد تنتهي أزمة لا حل لها.
تبقى بعض الملاحظات في الشكل وليس في المضمون.
فهذا الصندوق يقدم وكأنه لمحاولة مساعدة لبنان على اللبنانيين، أو برغم أنف اللبنانيين.
كذلك فهو يقدم وكأنه مساعدة من فوق رأس اللبنانيين، ومن دون اللبنانيين.
وبرغم ما في هذا التقديم من طعن في كفاءة اللبنانيين بالمطلق، ومن الاستهانة بكفاءاتهم بالمطلق،
إلا أن المواطن العادي يتعامل مع الأمر بحسن نية ويقدر أن اللجنة العربية الثلاثية العليا، لم تقصد “إهانة” اللبنانيين، ولا هي تريد استبعاد الشريف والمخلص والكفوء منهم عن الإسهام بدور ما في إعادة بناء وطنه.
ويقدر هذا المواطن لأهله العرب إنهم وضعوا مرة بعض عسكرهم بامرة الرئيس اللبناني (الماروني)، وها هم الآن يضعون بعض ذهبهم بتصرف هذا الرئيس…
فهل يطمئن الخائفون ويعدل الراغبون في الهجرة عن ترك البلد بعد ما أطل علينا صندوق الملياري دولار؟!
VI
ولكن كيف السبيل إلى حماية الذهب من عشاق الذهب المسلحين، وما أكثرهم في لبنان؟!
لقد “قبض” عشاق الذهب أولئك مليارات أكثر من أجل الحرب، وباسم الحرب،
وحقق عشاق الذهب أولئك مليارات أكثر بفضل اىلحرب ونتيجة للحرب.
فهل بارت سوق الحرب نهائياً، وباتت تجارتها خاسرة بحيث لا يكمل أحد المقامرة بمصير البلد وشعبه؟!
لكأنما الاعلان عن الصندوق إعلان بقرب انتهاء زمن الحرب،
ولكن متى يجيء زمن السلام؟!
… خصوصاً وإن عشاق الذهب يتربصون به. كما يتربص اللبنانيون بأسراب الطيور المهاجرة إلى الشرق برشاشاتهم الثقيلة ومدافعهم، مع وعيهم الكامل إن رصاصهم لن يطالها، وإنها إن قتلت في “المعركة” فلن يفيدوا منها لأن لحمها في الغالب الأعم لا يؤكل!
السؤال الآخر إذن : من يحصن الصندوق من عشاق الذهب وصيادي الدولارات على الطاير كما من قلب المصارف ذات الصناديق الحديدية المرقمة والمشفرة؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
على الطريق عن أوروبا الشرقية وحريتها الإسرائيلية وأفريقيا الراس والقدم والصندوق وأشياء أخرى!
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان