مرة أخرى يتبرع المتبرعون بالدفاع عن الجيش على طريقة الدب الذي قتل صاحبه لفرط حبه له… هذا إذا افترضنا حسن النية تجاه السادة المتبرعين الذين لم نتعود أن نسمع منهم غير كلمة “هات”!
فما معنى الإصرار على المضي في المحاكمة الجماعية للصحافة اللبنانية غير توريط الجيش، من جديد، في قضية سياسية أولاً وأخيراً؟!
لقد برأت الحكومة ذمتها، أمس، وأعلنت بأفصح لسان إنها ليست هي الجهة التي ادعت، أو حركت النيابة العامة للادعاء على الصحافة كلها، بمختلف اتجاهاتها وألوانها، بتهمة “المس بكرامة الجيش”.
إذن ما هي هذه الجهة، وماذا تقصد بتصرفها هذا؟
أحد أمرين:
أما أن تكون جهة “غيورة” على الجيش وسمعته ولكنها من السذاجة بحيث مارست غيرتها بطريقة فذة في إيذاء الجيش وسمعته،
وإما أن تكون جهة لا تريد الخير لا للجيش ولا للصحافة، وجهة بمثل هذه المواصفات لا يمكن أن تكون ساذجة، تماماً كما لا يمكن أن تكون مخلصة في عواطفها “النبيلة” تجاه الجيش.
ذلك إن إدانة الصحافة، مثل تبرئتها، ستشكل في النهاية مساً بالجيش وليس بأية جهة أخرى،
فإن يصور للناس وكان كل صحف لبنان ضد جيشه ليس أمراً طيباً بحق الجيش، بغض النظر عن مدى صحة هذا التصور أو بطلانه، ومع التوكيد على إن هذا ليس في مصلحة الصحافة بأي حال.
كذلك فليس من مصلحة الجيش أن يصور للناس وكأنه – هو لا غيره – عدو الصحافة وحريتها في لبنان، بغض النظر – مرة أخرى – عن مدى صحة هذا التصور، ومع التوكيد على إن هذا ليس في مصلحة الصحافة بأي حال.
وهكذا فإن الجهة التي تريد، بل وتدبر، صداماً بين صحافة لبنان وجيشه لا تريد الخير لأي من المؤسستين،
إن هذه “الجهة” تريد اليوم أن تقدم الصحافة كبش فداء لكرامة الجيش التي يحرص عليها أي مواطن، والتي لم يصنها أحد كما صانتها صحافة لبنان،
وتريد لهذا أن تغسل يديها من دم الجيش الذي قدمته بالأمس كبش فداء لأغراضها السياسية، عندما انطلقت تتظاهر تأييداً له محاولة دمغه بأمراضها وأغراضها الانتهازية.
إنها تكمل اليوم ما بدأته بالأمس أي محاولة تصوير الجيش وكأنه عدو الحريات السياسية في لبنان، وهي – على شكليتها – أهم رأسمال يملكه هذا البلد الأمين،
لقد حاولت بالأمس أن تقول إن الجيش هو المعادي لحرية التظاهر احتجاجاً على الاحتكارات والمحتكرين،
ثم حاولت أن تقول إن الجيش هو “جيشها” وليس جيش لبنان كله،
وها هي الآن تحاول – مستغلة صمت الجيش – أن تقول إن الجيش يعادي الصحافة والصحافيين فيمنعهم ليس فقط من الجهر بآرائهم، بل يقاضيهم إذا هم نشروا الأخبار الصحيحة!
والصحافة تثق بوعي الجيش، وبأنه لن يسقط في هذا الفخ،
والصحافة، من جهتها، لن تفرط بحريتها،
ذلك إن حريتها ليست ملكها وحدها، وليست لمصلحتها وحدها، بل هي لمصلحة لبنان كله، والجيش منه وله وفيه.
وانتصار الصحافة لحريتها هو، بهذا المعنى، انتصار لكرامة لبنان كله، وليست كرامة الجيش بأي حال – ولا يجوز أن تكون – منفصلة عن كرامة الوطن والمواطن فيه.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان