أخيراً أعلنها إسحق شامير مباشرة وبفجاجة: ليس “مؤتمرالسلام” أكثر من احتفال “عالمي” بإعلان تسليم العرب بالمشروع الإمبراطوري الإسرائيلي، من دون قيد أو شرط.
وإذا كان “السلام” أميركياً فالأرض “إسرائيلية”، وإذا كان على العربي أن يدفع ثمن هزيمته، فإن على السوفياتي أن يدفع ثمن انحيازه للطرف المهزوم وعليه أن يحصل من الإسرائيلي على شهادة حسن سلوك لكي يسمح له بأن يحتل مقعده (الثانوي في أي حال) في هذا المؤتمر العتيد.
واستقدام اليهود من أقصى الأرض إلى إسرائيل، وبتمويل أميركي، ليس عملية سياسية، فهم متى دخلوا “الأرض الإسرائيلية” يتحوّلون إلى مسألة إنسانية ومجموعة حاجات اقتصادية وعار على الولايات المتحدة أن تربطها بالسياسة.
ليس للعرب حقوق في المؤتمر أو عبره. سوريا تجيء لتسلم الجولان، والأردن ليسلم فلسطين، والفلسطينيون لكي يسلموا أنفسهم كأرقاء وعبيد ينظر في أمر حقوقهم “الذاتية” بعد خمس سنوات… فإذا رفض العرب وتمسكوا بالأرض كمطلب مركزي فإن “إسرائيل ستستخلص الاستنتاجات المناسبة”، وبالتالي فلا مهرب من الحرب حيث النصر للأقوى!
لا الدول العربية مقبولة، بحدودها وسيادتها، بتاريخها وجغرافيتها واقتصادياتها، ولا “الشعوب” بهوياتها الأصلية المرتبطة بالأرض، فالفلسطيني تحت الوصاية الإسرائيلية المفتوحة مثله مثل السوري ابن الجولان، وربما مثل اللبناني ابن الجنوب.
وإسرائيل تخوض معركتها ضد الرئيس الأميركي جورج بوش لترهب “أعداءها” الضعفاء العرب، ومن قبلهم الخصم العائد إلى بيت الطاعة: السوفياتي (أما المصري فقد طوي أمره سابقاً، وأما الخليجيون والمغاربة فهم محايدون…).
والمعركة الفعلية اللاغية للمؤتمر ونتائجه هي التي تشهدها أرض فلسطين حيث يقود شامير “حملة بناء لم يسبق لها مثيل منذ إقامة الدولة” في العام 1948.
إن استنبات المستوطنات وزرع أرجاء الضفة والقطاع بها، وتطويق كل بيت عربي في القدس بحصن منيع، ومحاصرة الفلسطينيين بالقهر والقمع والجوع، وعزلهم عن بعضهم البعض، وعن قيادتهم ، وكذلك عن أهلهم، كل ذلك يمهد لسحب موضوع الأرض من التداول ولدفع العرب إلى التمسك بمطلب “السلام” بأي ثمن حتى لا تكون حرب جديدة يخسرون بها المزيد من الأرض… والكرامة.
إن شامير يخوض “حرب المؤتمر” في قلب واشنطن التي يعرف مدى حرصها على تحقيق هذا “الإنجاز السياسي” اللازم لتسويق صورة نظامها العالمي الجديد لدى “أصدقائها” العرب المهزومين الذين تخصهم برعاية “عزيز قوم ذل”، وتحاول أن تحفظ لهم – الآن وقد أقروا بهزيمتهم وهوانهم – بعض ماء الوجه الضروري لتبرير مواقفهم خلال “الحرب العالمية” التي شنت عليهم بذريعة مغامرة صدام حسين البائسة في الكويت.
وفي حين يعطي جورج بوش لاعتراضاته على تعاظم النفوذ الإسرائيلي داخل واشنطن طابع معركة الوطنية الأميركية ضد هيمنة طرف خارجي، أو تأثيراته، فإن شايمر يحاول تصويرها انحيازاً من إدارة بوش إلى العرب الذين فقدوا أهليتهم لإدارة شؤون بلادهم بعدما فقدوا أسباب وحدتهم وقوتهم ورباطهم القومي ممثلاً بفلسطين، وسارع كل طرف إلى إنقاذ رأسه ولو على حساب أخوته مجتمعين.
ومن أسف أن “العرب” خارج هذا الصراع، فلا هم أقوياء بحيث يضطر الإسرائيلي إلى التفاوض معهم حول “السلام” مضحياً ببعض مطامعه في الأرض، ولا هم أصحاب قرار أو موقف موحد بحيث يضطر الأميركي إلى “استرضائهم” تحسباً أو استباقاً لاحتمال الاستنكاف عن مجاراته، أو الاعتصام برفض مكلف لكنه يُبقي باب المستقبل مفتوحاً أمام الأجيال الآتية لتقول كلمتها، ربما في ظل موازين قوى مختلفة عن هذه السائدة اليوم.
كاريكاتورياً يبدو الأميركي الآن في موقف “العربي”، والسوفياتي في موقف “الإسرائيلي”، والإسرائيلي في موقف “الأميركي” بوصفه القوة العظمى المهيمنة على الكون.
وعملياً فهي معركة بين قوتين عظميين: أميركا الأميركية والصهيونية العالمية بفرعيها، إسرائيل الأميركية وإسرائيل المشروع الإمبراطوري فوق الأرض العربية بكل “هيبتها” العسكرية وانتمائها الغربي.
والمؤتمر، في بعض وجوهه، فرصة للفرز وترسيم الحدود وتقنين التراتبية بين هاتين القوتين العظميين…
في انتظار أن يستحضر العرب آخر ما تبقى لهم من قوة عبر قرارهم أو موقفهم الموحد، فيعدلون في الميزان بأكثر مما يتوقعون، لأن الأرض أرضهم والسلام سلامهم، في خاتمة المطاف.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان