للقضاء الآن أن يقول الكلمة الفصل في مسألة يحيى شمص، إدانة أو تبرئة من جرم الإتجار بالمخدرات.
لقد قام المجلس النيابي بما يتوجب عليه حرصاً على كرامة الدستور وتمكيناً للعدالة من أن تأخذ مجراها الطبيعي.
لم تأخذه العصبية إلى التبرئة المسبقة أو المطلقة، بافتراض أن النواب (أو الوزراء أو الكبراء إجمالاً) فوق الشبهات أو فوق القضاء.
ولم يندفع إلى تسوير الموضوع بالصمت حتى لا يؤخذ المجلس بجريرة نائب واحد (أو أكثر من نائب) فيه.
كذلك لم يسحبه الخوف إلى التنصل الكلي من ذلك النائب أو إلى منعه من الكلام، أو فرض السرية على أقواله وطمس الوقائع والأسماء بذريعة سرية الجلسة.
وما يبقى هو أن يثبت يحيى شمص براءته أمام المرجع الأخير وهو القضاء، الذي أثبت في حالات مشهودة أنه نجح في حفظ نفسه من موبقات الحرب، وإنه ليس أداة طيعة في يد أهل المال وأهل السلطة والسطوة ولا في أيديهم مجتمعين.
البراءة تدافع عن نفسها..
لكن المدخل الذي اختاره يحيى شمص لرد التهمة لم يكن موفقاً ولا يمكن أن يستقيم لتفسير “استهدافه” شخصياً.
فقد صوّر الموضوع برمته وكأنه ناتج عن “حساسية شخصية” نشأت بينه وبين أرفع مسؤول أمني سوري في لبنان، بعد فشل الإعداد لمصالحة عشائرية معينة.
فتصغير الذريعة لا ينقص من خطورة التهمة، كما أن الأخذ أو عدم الأخذ بها لا يغير من طبيعة الجرم ولا هو يسقطه.
كذلك من الصعب التصديق أن غازي كنعان لم يستخصم في لبنان كله إلا شخص يحيى شمص، وإنه اختار للخصومة ميدان المخدرات بالذات.
والكل يعرف أن ميدان المخدرات ليس محلياً، وليس إقليمياً فحسب، بل إنه دولي، لاسيما في الظروف الراهنة وبعدما جعلته الولايات المتحدة الأميركية بنداً أساسياً في سياستها الكونية، وجعلته معادلاً للإرهاب والتطرف وإحراق العلم الأميركي!
فالمكافحة لها، كما التهريب، آفاقها الدولية، والمعلومات تنقل من دولة إلى أخرى ثم تتم تصفيتها عند الانتربول… وبالتالي فهي أخطر من أن تخضع لمزاج شخص أو لضغائن أو نكايات أو أغراض شخصية.
وكان الأكرم والأجدى ليحيى شمص لو صمت تماماً حتى يجيء وقت الكلام، مكتفياً بمرافعة الدفاع عن منطقته وأهلها المجرمين سلفاً (حتى تثبت براءتهم).
وفي أي حال فهذه مهمة المجلس النيابي.
وهي أيضاً مهمة القضاء.
لم يعد مقبولاً أن يعامل أبناء منطقة بعلبك – الهرمل وكأنهم مجموعات من المهربين والقتلة، في انتظار أن يثبت العكس.
إن في لبنان شبكات عديدة للاتجار بالمخدرات وتوزيعها وتصنيعها وترويجها، وأصغر الأطفال يمكن أن يسمي الكثير من “الكبار” في مختلف المناطق.
وفي المعلومات السيارة والتي لا تكتب عادة تأتي منطقة بعلبك – الهرمل في المؤخرة تقريباً، فمن فيها عموماً من “الصغار” ممن يعملون لغيرهم… أما الكبار فمحصنون إما وراء عصمة السلطة، أو عصمة المال أو عصمة الطوائف والمذاهب.
ولعل محاكمة يحيى شمص تكون الفرصة لتبرئة المنطقة، حتى لوادين فرد منها أو أفراد،
ولعلها تكون فرصة للإعلان أن اللبنانيين سواء، في العفة كما في السقوط، لا فضل “لبقاعي” على “شمالي” أو “لجبلي” على “بيروتي” أو “لجنوبي” على “ساحلي” إلا بالقوة الحامية.
ولعلها تكون، أخيراً، فرصة للالتفات إلى جوهر الموضوع وهو أن الحرمان التاريخي لمنطقة أو بضع مناطق هو بمثابة التحريض لها على الانتفاض والخروج على الدولة التي لا تعترف بأهلها أصلاً.
والبعض يخرج إلى الثورة، والبعض الآخر يخرج إلى الثروة بأي سبيل.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان