بعد أربع حروب ومئات الغارات وآلاف العمليات الخاصة، إضافة إلى الاغتيالات وأعمال القصف والنسف والتدمير، تجد في لبنان من “يضيع” عن مصدر مأساة الجنوب والسبب الحقيقي فيها، “ويلتبس” عليه الأمر في المسؤوليات بين إسرائيل، والدولة، والمقاومة الفلسطينية والتعساء من أهالي العرقوب وجبل عامل وبلاد بشاره!
وثمة أشباه لهؤلاء “الضائعين” من اللبنانيين في القاهرة وعمان وجدة وتونس والمغرب، يفلسفون ضياعهم فينسبون مصيبتهم مرة إلى “العرب” باعتبارهم المصدر الوحيد “للبلاوي” والمشاكل والهموم السوداء!.. وينسبونها ، مرة أخرى، إلى دولتهم التي “تتدخل في ما لا يعنيها” فتجلب عليهم الويل بحشريتها!..
و “الكيانيون” وراء هذا المنطق التخاذلي، الانهزامي، الاستسلامي، المستقوي علينا باللجوء إلى الواقع، وإلى الحقيقة القائلة: إن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها!
فالكيانيون لا يمكن أن يكونوا من أهل النصر، لأنهم – بداية – ضد القتال، أي قتال.. فالقتال شغب، والشغب يهرب السواح، والسواح ضرورة حياتية، والحياة أغلى من أن تهدر على مذابح الوطنية والاشتراكية والعمل الثوري!
ومخطئ من يحسب أن الكيانيين غير موجودين إلا في لبنان..
هم “لبنانيون”، بمعنى من المعاني، ولكنهم موجودون في سائر الأقطار العربية، من مصر إلى السودان، إلى ليبيا، انتهاء بالمغرب، ومن سوريا إلى العراق، إلى السعودية والكويت انتهاء بسلطان عمان وجزيرة المصيرة!
هم، أيضاً، بين الفلسطينيين، والبعض يخشى من خطرهم على مسيرة المقاومة الفلسطينية لأن نفوذهم واسع ولمنطقهم تبرير إضافي يستمد من واقع الاحتلال الصهيوني لفلسطين وحاجتهم الموضوعية إلى “كيان” يلم شتاتهم الشريد.
وهم الذين يحاولون، الآن، دفع مصر إلى العزلة والانسحاب من موقعها ودورها وحتى اسمها ذاته!
وهم الذين يرفعون هنا وهناك وهنالك “الوضع الخاص” بوجه أي مطالبة لهم بالإسهام في معركة المصير الواحد.. حتى غدا الوطن العربي مجموعة من “الأوضاع الخاصة” المحرم مسها أو لمسها، وفوق هذا التوازن الدقيق بين مجموعة الأوضاع الخاصة القائمة بدورها على توازنات داخلية دقيقة، طائفية أو عشائرية أو عنصرية أو مذهبية أو قبلية أو عائلية، تنام إسرائيل ملء جفونها.. فلكي تصل إليها لا بد من أن تعرف طريقك وسط هذه الغابة الهائلة من التشابكات والتفاصيل والتوازنات الدقيقة!
بعد أربع حروب ومئات الغارات وآلاف العمليات الخاصة، إضافة إلى الاغتيالات وأعمال القصف والنسف والتدمير، آن لنا أن نفهم ونعرف وندرك.
آن لنا أن نقوم بعملية نسف واحدة لأكذوبة خطيرة بل مدمرة هي أسطورة “الوضع الخاص”،
فلا وضع خاصاً مع إسرائيل وبمواجهتها،
هناك فقط وضع عام علينا أن نتصدى له جميعاً ونصفيه،
بعد ذلك سنكون أكثر استعداداً لتفهم “الأوضاع الخاصة” ومراعاتها وتحديد ما يجوز استمراره منها وما لا يجوز ، وكيف، ولأي هدف، وبأي مبرر…
أما اليوم فهذا غير وارد، وغير ممكن عملياً، لأن الحدود بين الوضع الخاص والوجود الإسرائيلي غير موجودة، حتى لتصبح الحافظة عليه محافظة عليها والعكس بالعكس.
والبديل، للذين لا يعرفون البديل، هو ببساطة شديدة: الوطن،
وليست دعوة شريرة أن نطالب بهجر “الأوضاع الخاصة” إلى الأوطان، فالأوطان هي الناس وهي السعادة والفرح والبيوت وحقول الحنطة، والأوضاع الخاصة هي حفنة المنتفعين والمتاجرين بالأحزان والمآتم والمآسي، يستوي في ذلك جنوب لبنان، وإسماعيلية مصر، وقنيطرة سوريا والضفة الغربية الفلسطينية.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان