ليست إسرائيل بحاجة لأن تعلن مسؤوليتها عن مذبحة الضاحية الجنوبية، مساء أمس، الدم الشهيد هو الشاهد الصارخ في برية الاستسلام العربي والتواطؤ الدولي.
كل من وما استهدفته السيارة المفخخة يدل على القاتل ذي الدم البارد: الأشلاء الممزقة والمتناثرة على سطوح البيوت الفقيرة والمجاورة وجدرانها، الجرحى وفيهم الفتيان والنساء والرجال وكلهم من بسطاء الناس العائدين وفي أيديهم بعض الفاكهة والخبز، بعد نهار التعب إلى أسرهم، الذين يحتجزهم دخلهم الضئيل داخل “حزام البؤس” ، التعاونية، بوصفها مركز تجمع لهؤلاء المنذورين دائماً للموت، القاصدون الجامع لصلاة العشاء ، أو المتجهون إلى نوبة التعب الليلي لسداد أقساط المدارس والضرائب و”خلو” السكن والرسوم الضرورية لبناء قصر المؤتمرات وتأمين النهب المنظم للنافذين عبر صفقات التعهدات والتلزيم بالتراضي وردم البحر.
كل أولئك الذين عاشوا بلا أسماء، وماتوا بغير جرم ارتكبوه، ومعظمهم من مشردي الاحتلال الإسرائيلي لبلداتهم وقراهم في جبل عامل والبقاع الغربي.
كل تلك النوافذ المضاءة بالكهرباء “المسروقة” أو المدفوعة الثمن بالدولار “لدولة” صاحب المولد.
كل تلك الغرف المتواضعة الأثاث والزينة بشجرة الميلاد الواعدة بهدايا الميلاد للأطفال الذين يحبون عيسى المسيح وأمه مريم كما يحبون محمداً والحسين وأمه فاطمة ولا تتوقف عواطفهم عند حواجز الطائفة أو المذهب أو الدين ذاته.
إنه القتل للقتل. إنه القرار بقتل أكبر عدد ممكن من سكان الضاحية – الضحية، نوارة العاصمة – الأميرة بيروت وترسها والسيف.
هل أصرح من هذا التوقيع الإسرائيلي؟!
لا فرق هنا بين محازب ونصير، بين مبتعد عن الأحزاب والسياسة وبين مقاوم، بين يائس أحبطه الفشل وأقعده العجز وبين هارب من “الواقعية” الانتحارية إلى العبث والعدمية.
يريدون “السلام”، إذاً فليمهروه بدمائهم. عليهم أن يموتوا ليحصلوا على السلام. أن يلغوا أنفسهم ويسقطوا ادعاءاتهم “الثورية”. لا يكفي أن يرموا سلاحهم. عليهم أن يشنقوا تاريخهم، أن ينبشوا قبور أجدادهم، أن يرموا بهوياتهم وأسمائهم في مكعبات المزابل الحديثة ملفوفة بالأكياس الصحية السوداء، حتى لا تفسد الهواء. عليهم أن يدفعوا وجودهم ثمن استمرارهم على قيد الحياة: يأكلون ويشربون ويتوالدون ليؤمنوا اليد العاملة الرخيصة، من أجل أن يعوض اليهودي المضطهد سنوات شقائه الطويلة.
مساء الأربعاء الدامي، في الحادي والعشرين من كانون الأول 1994، قدمت إسرائيل – رسمياً – طلب انتسابها إلى جامعة الدول العربية في القاهرة، عبر تفجيرها ضاحية بيروت الجنوبية. لم يكن شيمون بيريز يمازح الصحافيين حين أبلغهم القرار. إنه الآن يمثل “الأكثرية” العربية. إنه يمثل “المنتحرين”. أما الباقون فهو يعدهم بالقتل. وهذه ليست الرسالة الأولى، ولن تكون الأخيرة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان