بشيء من السذاجة والتبسيط والبله السياسي النابع من عدم الثقة بالنفس أو من التبعية المريحة، كان بعض العرب يستقبلون أي تغيير فيأشخاص شاغلي المناصب الأساسية في دوائر الحكم الأميركية بتفاؤل مثير للإشفاق.
وكان هؤلاء يتصورون، أو يريدون إيهام مواطنيهم، إن الأمور جميعاً مرتبطة بمزاج هذا المسؤول أو ذاك، أو بمدى إطلاعه على “مشكلة الشرق الأوسط”، فإذا ما خاب فألهم فيه نسبوا ذلك كله إلى القصور العربي في شرح قضاياهم وترك الساحة الأميركية للصهيونية تعبث فيها فساداً.
حتى كانت حكاية نيكسون فإذا هم في حيص بيص، وهكذا اندفعوا يبحثون عن منطق لتبرير استمرار الصداقة المستجدة حتى بعد ذهاب عميدها في واشنطن.
بعضهم قال: هذا لا يهم، فالعزيز هنري باق كالطود لا تهزه العواصف والأعاصير!
وقال آخرون: هذا لا يهم، فلا دور للأشخاص في بلاد الديمقراطية والمؤسسات وسيادة القانون حتى على سيادة الرئيس الشرعي المنتخب.
وقال أكثرهم تحفظاً: هذا لا يهم، فالتبدل الذي طرأ على السياسة الأميركية إنما كان نتيجة للمنجزات التي حققها العرب في حرب رمضان.
على إنهم جميعاً لم يستطيعوا إخفاء فرحتهم يكون الرئيس الجديد، قد احتفظ بوزير خارجية سلفه الخارج باكياً من البيت الأبيض، وهكذا أسقطوا أسباب خروج نيكسون (وبكائه) بلا أي مناقشة أو محاولة لفهمها، وتشبثوا بصخرة النجاة الباقية على الشاطئ الأميركي متمثلة بكلام جيرالد فورد عن استمراره على طريق ريتشارد نيكسون لإكمال المشوار… في الخارج.
فهل نطمع في أن يكون هؤلاء عقلانيين في حكمهم، ثم في علاقاتهم بالرئيس الجديد الذي لا يستطيع أحدهم الزعم بأنه يعرفه، وبالتالي بأنه قادر على التأثير عليه بقوة العلاقات الشخصية بينهما أو بتأثير المعرفة المباشرة ناهيك بالصداقة الحميمة؟
إن علاقة أي مسؤول عربي بصانعي السياسة الأميركية هي شبهة تحتاج إلى تبرير يومي، وغالباً ما يكون هذا التبرير غير سياسي لاستحالة المصارحة بمبررات سياسية مقنعة ووطنية في ظل العلاقة الأميركية الثابتة والدائمة بإسرائيل.
وإذا كان بعض حكامنا قد حاولوا تمرير اتصالهم بنيكسون واستضافته في جو الضباب وقنابل الدخان التي حجبت الرؤية بعد حرب رمضان، فبماذا نراهم سيبررون الآن صلتهم بجيرالد فورد الذي يتسلم مهام منصبه بينما إسرائيل تهيء لتوجيه ضربة جديدة إلى العرب؟
فليس لجيرالد فورد من مواقف معلنة إلا تلك التي يشيد فيها بإسرائيل ويمحضها إعجابه وصداقته وتعاطفه وتعهده بالعمل لتأمينها ضد الأخطار المحدقة بها.
ومجموع ما قاله، سابقاً، عن الشرق الأوسط لا يتعدى الدعوة إلى صلح عربي مع إسرائيل يحقق المصالح الأميركية… ومن نماذج أقواله تلك:
“إن هدفنا النهائي والذي يعلو على كل هدف آخر هو إيجاد سلام دائم في الشرق الأوسط. إن هذا هو في مصلحة أميركا القومية.
“.. إن توفير سلام دائم في الشرق الأوسط يتطلب إيجاد علاقات مستقرة على صعيدين: مصالحة في داخل المنطقة، وتوازن بين الدول في الخارج..
“أنا على يقين من أن الأذى والكراهية بين العرب وإسرائيل يمكن التغلب عليهما مثلما سرنا قدماً في علاقات الصداقة بيننا وبين الصين الشعبية!! وعليه نحن نتطلع قدماً نحو استمرار زخم التسوية العربية – الإسرائيلية”.
وجيرالد فورد صريح في مراهنته، فهو يعتمد على “شجاعة وحسن نية وتصور الزعماء في كل من مصر وإسرائيل” وعلى “عبقرية وزير الخارجية كيسنجر”…
أما عرب نيكسون الذين تحولوا في طرفة عين إلى عرب فورد فلم نعرف بعد على من وعلى ماذا يراهنون، مع استمرار تغييبهم المقصود للإرادة الشعبية التي صنعت حرب رمضان بنتائجها الإيجابية، ولعناصر القوة العربية الذاتية بما فيها صداقاتنا الدولية المؤثرة وأبرزها كان مع الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي؟!
وفي أي حال، فإن التبدل في سدة السلطة بواشنطن يفتح الباب أمام من يريد تصحيح موقفه، قبل فوات الأوان.
هذا إن كان بين عرب نيكسون من يفكر أو يرغب أصلاً بتبديل موقفه الساذج أو الأبله أو الأسوأ بكثير من السذاجة والبله السياسي.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان