… والحكم باسم الإسلام لا يمنع بل هو يشجع ويبرر ويزكي الحكم بالتحالف أو بالتعاهد أو بالتواطؤ أو بالصلح مع إسرائيل.
فالحكم لحساب الإسرائيلي جائز وشرعي تماماً كالحكم باسم الإسلام، بل إنه يكاد يصبح هو الحكم الشرعي الوحيد المعتمد من طرف أنظمة الهزيمة العربية،
وكما المعارضة باسم الإسلام محرّمة (شرعاً!!) وتمرد على الحق الإلهي، كذلك فإن الاعتراض على الحكم لحساب إسرائيل يكاد يعادل الارتداد والخروج على الشريعة وتحدي المكتوب!
وهذا بات على مقاوم الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية على الأرض والإرادة، الدور والموارد، أن يقاتل أولاً الحاكم باسم إسرائيل ولحسابها، فإذا ما استطاع التغلب عليه أو التخفف من قيوده تمكن من مقاتلة الاحتلال لاستنقاذ حقه في أرضه وثرواتها.
لقد توحدت صفوف الحكام باسم الاحتلال وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتوحدت الأجهزة: المخابرات تتعاون مع المخابرات، والشرطة تساند الشرطة، ومباحث الداخل تعزز معلومات مباحث الخارج والعكس بالعكس.
يجتمع الكل على المعارض، متى كان عربياً،
أما المعارض الإسرائيلي فمعزز مكرم، له الصدارة في المجلس، وله الكلمة العليا في القرار، فإذا ما جاء الرئيس الأميركي وانتظام كبار القوم لاستقباله كان رئيس المعارضة الإسرائيلية الثالث بعد رئيس الدولة ورئيس الحكومة… وإذا ما قصد كلينتون الكنيست ليستمع إلى رأي “الشعب الإسرائيلي”، كان رئيس المعارضة الثالث أيضاً بعد رئيس الكنيست ورئيس الحكومة.
بل إن للمعارضة حق “الفيتو” على كل ما تقرره الحكومة، وهذا يجعلها في موقع “شرعي” أقوى من الحكومة ذاتها. ولو أن الكنيست رفض (!!) اتفاق أوسلو أو “معاهدة وادي عربة” لما استطاع رابين أن يفرض إنجازه التاريخي على “الشعب الإسرائيلي”، ولا هو كان تمكن من البقاء في السلطة يوماً واحداً: لكأنه يحكم بقوة المعارضة وببرنامجها.
بالمقابل فإن الملك حسين لا يتعب من إطلاق التهديدات لردع المعارضة الأردنية عن التعبيير عن رأيها في معاهدته، ويحتل الشوارع بجيشه حتى لا ينزل المعارضون لإعلان موقفهم والاحتكام إلى… الشعب!
أما ياسر عرفات فقد تجاوز التهديد إلى المواجهة، ولأنه لا يملك جيشاً حسن التدريب والتسليح “متين العقيدة” كجيش الملك، فإنه لم يتمكن بعد من احتلال الشارع وإقفاله في وجه المعارضين، وما زال يتعرض لإهانات إسرائيلية يومية لأنه لم يؤكد “شرعيته” وقوة حكمه بدماء الفلسطينيين!
الطريف أن واشنطن (وعواصم أخرى عديدة) لا تنسى وهي تحيي الديموقراطية الإسرائيلية النموذجية، تحريض حكام المعاهدات العرب على القضاء المبرم على معارضيهم بوصفهم إرهابيين ومخربين وقتلة السلام!!
أي أن المعارض الإسرائيلي للجلاء عن جنوب لبنان أو عن الجولان السوري أو عن بعض الأرض الأردنية المحتلة، هو ديموقراطي مثالي، ونصير قوي للسلام…
أما المعارض العربي للسكوت عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة وسائر أنحاء فلسطين، كما لجنوب لبنان والجولان السوري وتلك الارض الأردنية، فهو إرهابي خطير يعمل لحساب شبكات دولية مهمتها تخريب العملية السلمية وتعميم العنف والقتل والتدمير في أربع رياح الأرض.
ولما كان الإرهابي هو بالطبيعة معاد للديموقراطية فإن من شروط السلام اجتثاث المعارضة العربية من جذورها ليتمكن الحاكم العربي من ممارسة سلطاته “الإلهية” في جو من “السلم الأهلي” يكفله جيش الاحتلال الإسرائيلي المعزز بديموقراطية الإسرائيليين،
ولماذا ترف الديموقراطية عند العرب، طالما أن الديموقراطية هي السيدة وكلمتها هي العليا في “الحكومة المركزية” الإسرائيلية؟!
إن العرب ما زالوا قاصرين، والديموقراطية تؤذيهم إذا ما تسلموها قبل بلوغهم سن الرشد. فليكتفوا بنعمة الله عليهم وليطيعوا أولي الأمر منهم وليجنحوا إلى السلم مع حكامهم بداية، ثم مع إسرائيل، فترفع أسماؤهم من قوائم الإرهابيين ويسمح لهم بدخول الجنة الإسرائيلية ليعملوا في ظل ديموقراطيتها كعمال مياومين.
ومن قبل، قيل للعرب أن سبب عجز الأنظمة عن قيادتهم إلى النصر هو معاداة هذه الأنظمة للديموقراطية واحتقارها الإرادة الشعبية.
قيل لهم أن القمع الداخلي هو الذي أدى إلى الاحتلال الخارجي،
اليوم يقال لهم: إن الاحتلال الخارجي هو وحده الذي ينقلهم إلى حلم الديموقراطية الموعودة في الداخل!!
اليوم يقال لهم: إن تلك الأنظمة بالذات هي وحدها طريقهم إلى الازدهار والرخاء والحرية، وهي وسيلتهم للتمتع بحقوق الإنسان!
اليوم يقال لهم: أنتم الإرهابيون والقمعيون ، وأنظمتكم إياها هي الديموقراطية والسلام ورمز السيادة والاستقلال!
حي على الإرهاب!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان