من يتخل عن أحلامه يخسر حياته،
ومن ينكر تاريخه لا تحمه الهجانة ولا يمده التغرب يصك غفران عن ماضيه.
تكون أنت أنت، أو تصير ما يراد لك أن تكونه… تصير القاتل في حين أنك المقتول. بل إنك تصير، كما الصورة الأميركية للعربي بعد حادث التفجير في نيويورك المدان والمحكوم عليه بالإعدام باعتباره القاتل في حين أن دمه النازف من جراحه البلا حصر يغطي البطاح وصولاً على مجلس الأمن الدولي!
فالعداوة طرفان، إن أسقطها طرف وتمسك بها الطرف الآخر فلن تكون الحصيلة “السلام” أو “الصلح” بل إلغاء الذات بالخيانة وليس بتبديل طبيعة العدو.
وعندما خرج العربي من جلده وأعلن استسلامه أمام عدوه (القومي) كما أمام “السيد” الأميركي الذي طالما خاصمته وحاصره وضيق عليه حتى قهره الإسرائيلي، لم يشرفه النظام العالمي الجديد ببطاقة انتماء إليه، ولم يسلم له بحقوق الإنسان، بل هو ما زال مداناً ومطارداً بتهمة الإرهاب “الدولي” وقتل النساء والأطفال وإشاعة الفوضى في العالم المتحضر!
العربي هو الآن المتهم الجاهز، بل المجرم الجاهز لأن “يلبس” أية جريمة تقع في أي مكان من الارض!
هو القاتل، ومن ثم يتم تحديد جريمته،
كل أهل الأرض من الملائكة، وثمة شيطان أوحد يعيث في الارض فساداً هو العربي: لم يعد من وجود للأميركي القبيحن وأعلنت توبة وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وصنف “الشين بيت” بعد “الموساد” الإسرائيلي مع الملائكة الأطهار، حتى “الكا. حي. بي” برئت مما تقدم من ذنبها وما تأخر، وأعلنت مسؤولية “العربي” عن كل ما وقع ويقع وسيقع من جرائم قتل جماعي ونسف وخطف وتفجير في أرجاء الكون جميعاً.
ولولا شيء من التحفظ لنسبت إلى “منظمات عربية” وغلى “شرق أوسطيين” سمر البشرة مسؤولية الأحداث الرهيبة في لوس أنجلوس،
بل إن الارتباك هو الذي رفع مسؤولية العربي عما أوقعه إعصار “اندرو” من أضرار في فلوريدا الجميلة وسائر المنتجعات الأميركية (… على أن الكرم الكويتي المبالغ فيه سرعان ما أثار الشكوك حول مسؤولية العربان عن ذلك الإعصار اللئيم)!!
ولنتأمل معاً خريطة الدم في الوطن العربي، وامتداداتها “المنطقية” في الخارج:
في الجزائر يتسابق العسكر المسلمون مع المواطنين “الإسلاميين” على فعل القتل: يردي هؤلاء خمسة من أولئك، فيرد إأولئك بقتل عشرة من هؤلاء،
في تونس مناخ دموي، وكل “إسلامي” قاتل، وبالتالي مطلوب قتله، حتى … ينكر إيمانه بالإسلام!
في مصر تكاد الصحراء تفيض بنجيع المقتولين بأيدي القتلة المرشحين للقتل، والمباراة مفتوحة، وكل طرف يحاول إقناع الأميركيين بأنه الأجدر بالثقة لأنه الأكثر دموية والأقل رحمة بالبلاد والبعاد،
أما السودان فمحاصر ومدان بشعبه وجيشه، ويتدخل البابا شخصياً وبطريقة فظة لتسعير الحرب الأهلية فيه عن طريق دمغها بطابع الحرب الدينية، ويصنف كل سوداني مسلم قاتلاً للسوداني الآخر ومرشحاً لأن يقتل أيضاً حتى خارج حدود بلاده.
في فلسطين يتم تشويه صورة النضال من أجل حقوق الإنسان، وبينهما حقه في أرضه فيغدو إرهاباً، ويقتلع الرجال من بيوتهم وأسرهم ويرمون في الصقيع والعراء بوصفهم هم “القتلة” وهم “المعتدون” بينما يزكي الأميركي “العدالة” الإسرائيلية أمام مجلس الأمن الدولي ليعطل قراره بعودتهم إلى ديارهم المحتلة!.
أما العراقي فحدث عنه ولا حرج، وسيصدق العالم أي اتهام له بالمطلق.
ولا حاجة للتدليل على إرهابية اللبناني المعززة بالغرهاب السوري، والتي يدعمها الإرهاب الإيراني ويمكنها من أن تصبح أممية، فذلك أمر مشهور وبديهية لا ينكرها أحد في مشارق الأرض ومغاربها،
وهكذا فإن كل عربي إرهابي، حتى يثبت العكس، وهذا ما يستحيل إثباته: فالقاضي هو المدعي العام وهو المحامي وهو الضحية وهو الشاهد في آن، والجرم مقرر، والحكم مكتوب سلفاً، والنقاش حول توقيت النطق به ليس إلا!.
وبمراجعة هادئة للسيناريو البوليسي الرديء حول تفجير “مركز التجارة الدولية” في نيويورك، يتبين كم هو سهل “وطبيعي” و”منطقي” اتهام العربي – أي عربي !! – بهذه الجريمة من دون الحاجة إلى دليل أو غثبات أو شهود عيان!.
إنه عربي… وليس مهماً أن تكون جنسيته مصرية أو فلسطينية ، جزائيرة الخ.
إنه عربي، ومسلم بالضرورة، وليس شرطاً أن يكون “إسلامياً”.
إنه عربي مسلم، أي إنه قاتل وكفى،
ليس مهماً اسمه، ولا شكله، ولا سجله العدلي، ولا انتماءاته السياسية.
إنهم يريدون الاسم، فهو وحده التهمة بل الجريمة.
على الاسم يمكن تركيب كل شيء!.
خصوصاً وإن النظام المعني، سواء أكان مصرياً أو جزائرياً أو “فلسطينياً”، جاهز للقيام بدور “شاهد ملك” أي “المخبر” أو “المرشد”، مجاناً بلا جزاء أو شكور!
فالإسلامي المصري (أو الجزائير أو الفلسطيني الخ) مطلوب لنظامه ومدان من طرفه ومطارد بالرصاص في القاهرة (أو الجزائر)، فكيف إذا طلبته واشنطن أو رشحته ليكون القاتل؟
إنها حينئذ تكون في موقع الحليف الصادق للنظام المعني تساعده على التخلص من “أعدائه” الذين يشاغبون عليه فيحرمونه هناءة العيش في ظل حماية “السيد” الأميركي.
ومن خلال تفجير نيويورك تبدو واشنطن كمن يقتلنا بأيدينا،
إنها تثير الشبهات لتستنير مزيداً من الحقد الأميركي (والدولي)، على العرب عموماً، ثم تترك للأنظمة العربية أن تثبت على مواطنيها تهمة القتل.
وهكذا يدان “العربي” على يد حاكمه، الذي لا بد أن يصبح أضعف وأكثر ارتهاناً “للسيد” اتلأميركي الذي يتحمل بعض نتائج تقصيره.
يُقتل “العربي” ويظل السيف مصلتا فوق راس حاكمه،
القاتل مقتول، والمقتول قاتل!.
أما نيويورك، مدينة الجريمة والمافيا والعصابات المنظمة الأقوى من جيوش.
أما نيويورك الغابة التي لا يستطيع إنسان فيها أن يتحرك مطمئناً على حياته،
أما نيويورك عاصمة اليهود بكل موبقاتهم التي تشمل السياسة والجنس، الأعلام وتزوير النقد، السينما والمخدرات وتبييض العملة السوداء.
أما نيويورك، أعظم حلبة للقتل، وأفظع قلعة للتمييز العنصري، وأبشع نموذج للاضطهاد الطبقي والعرقي،
أما نيويورك هذه فلم تعرف القتل والدم إلا حين وصلها ذلك النفر من العرب سمر البشرة، حمر العيون، وفي أيديهم المتفجرات يرمونها على كل حي لإرواء عطشهم على الدم.
قاتل الله العرب… لقد أفسدوا جنة النظام الأميركي في عاصمة حقوق الغنسان!
.. ومع ذلك، وبعد ذلك، يصنفون أنفسهم في خانة الضحايا؟
خذوهم إلى حكامهم وبئس المصير!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان