انتخب الأميركيون والأميركيات “برلمان العالم”،
لقد نابوا عن “الشعوب” جميعاً، موفرين عليها مشاق التجربة الديموقراطية المكلفة ومخاطر الانقسام والشقاق، فاختاروا سلطة الرقابة على “الحكومة المركزية” للكون ممثلة بالإدارة الأميركية.
ولسوف ينقسم المعطلون أو المحرومون من نعمة الانتخاب بين مهنئ نفسه بالفوز العظيم لـ “حزبه” الجمهوري، وبين منغص بهزيمة “حزبه” الديموقراطي، وهو الانقسام نفسه الذي يحدث – عادة – مع كأس العالم لكرة القدم، ومع احتيار ملكة جمال الكون ثم مع توزيع جوائز الأوسكار على المبدعين من الممثلين والمخرجين ومصوري السينما.
إنه انقسام عبثي لا يتصل بمعطيات اللعبة ولا بمواصفات اللاعبين، بل هو إسقاط للرغبات على الخيار السياسي للآخرين ممن لا يغنيهم بأي حال تحزبك أو اهتمامك أو رأيك ولو كمراقب.
لكن الحقيقة الباقية أن الانتخابات الأميركية باتت حدثاً “محلياً” في معظم أرجاء الكون، بمقدار تأثيرها على السياسات العامة (الخارجية منها والداخلية) لمختلف الحكومات غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً، وغرب الغرب وشرق الشرق!
ومع أن الحزبين “المتصارعين” تقليدياً في الولايات المتحدة ليسا حزبين بالمعنى المألوف للكلمة، فلا عقائد ولا مبادئ ولا هيكليات تنظيمية، ولا أنظمة داخلية، فإن أنصار الخارج ينتظمون في ما يشبه الإطار الحزبي، ولا يتورع من يتمثل نفسه في موقع المنتصر عن توعد “خصمه” المهزوم بأقسى العقوبات والاضطهاد لخروجه عن “الخط” وانحرافه العقائدي!
… وهو “برلمان العالم”، واقعياً لكن العرب كانوا وسيبقون خارجه، سواء أكانت الأكثرية فيه جمهورية أم ديموقراطية.
إذا ما انتصر الجمهوريون فالعرب مهزومون،
وإذا ما انتصر الديموقراطيون فالعرب مهزومون،
أما بالنسبة لإسرائيل فالعكس هو الصحيح: هي دائماً منتصرة كائناً من كان المهزوم من الحزبين الأميركيين… بل إنها في أساسا هزيمة المهزوم وبين عوامل انتصار المنتصر،
ولعل إسرائيل تعيش الآن بعض أسعد لحظات حياتها، لأنها ستكون الأقدر على الإفادة من المفارقة التي ستحكم الحياة السياسية الأميركية للسنتين المقبلتين على الأقل: حيث الرئاسة في يد ديموقراطي بينما الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس (بمجلسيه، النواب والشيوخ) وحكام الولايات بأكثريتهم الساحقة.
إنه وضع نموذجي لممارسة الابتزام الذي احترفته إسرائيل فصارت مبدعة في فنونه وأساليبه : تأخذ الأقصى من الرئيس، ثم تفرض على الكونغرس أن يزيد، فإذا ما زاد عادت إلى الرئيس تطالبه بالأقصى من الأقصى.
وكيف السبيل لأن يستفيد العرب من “الانقسام” الأميركي وهم غرباء عن الكلمتين السحريتين: “الجمهورية” و”الديموقراطية”، ناهيك بالانتخاب، قبل أن نصل إلى تفاصيل العملية الانتخابية والمشوقات والمنشطات من الوسامة إلى جمال الأسنان وأناقة الزوجة ومزاح الكلب ورعاية القطة الخ… مع أنهم يدفعون للجميع وبسخاء منقطع النظير!
المشكلة ، على تعقيدها، سهلة على العرب الآن، فهم يمكن أن يتجاوزوها بالادعاء أنهم جميعاً “أميركيون”، أي مع أميركا وخارج أحزابها.
المشكلة غداً مع الانتخابات الإسرائيلية التي ستقرر للعرب “حكومتهم المركزية” التي ستتولى أمور منطقتهم مباشرة، وهل ستكون “ليكودية” أم “عمالية”، فكثير من حكامهم قد تورط أكثر مما يجب مع هذا الحزب أو ذاك، وهو هنا “عقائدي” ومنضبط ولا مجال للانحراف.
أغلب الظن أن العديد من أولئك الحكام يحمل بطاقات التنظيمات جميعاً بما فيها شاس وميريت وكاخ وكاهانا حي…
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان