أقسى من القتل الإسرائيلي البارد الاعتذار الحار الصادر عن جيش الدفاع الإسرائيلي..
هي إهانة إضافية بعد الموت لضحايا مذبحة الأطفال في دير الزهراني، بل أنها إهانة لكل اللبنانيين، الشهداء منهم والأحياء.
إنه تشهير علني بأولئك الأطفال الذين أطفأت القنابل الإسرائيلية عيونهم وأحرقت لعبهم الرخيصة وهشمت الأحلام الغالية لذويهم الفقراء!
لكأن قتل الطفل هو الخطأ أما قتل الأب فهو الصواب.
والاعتذار موجه بالتالي للذين كان يفترض أن يكونوا المقتولين. إنه اعتذار عن التأخير في إعدامهم.
هل أفظع من هكذا إنذار للمنذورين للموت بنار الاحتلال الإسرائيلي؟!
لتهنأ أرواحكم يا محمد روماني (5 سنوات) وفاطمة علوش (8 سنوات) وعلي حسين جمول (سنتان ونصف) والآخرين، لم تكونوا أنتم هدف الغارة، لم تكونوا أنتم المطلوبين… فهم إنما كانوا يقصدون قتل أهلكم، الآباء والأعمام والأخوال، الأمهات والعمات والخالات والجدات. دوركم وأقرانكم في الموت ينتظركم على حد الشباب. وكان سيمهلكم جيش الدفاع الإسرائيلي حتى سن البلوغ، وعندها “يقصف” أعماركم، وليس قبل ذلك، لأنه متحضر وديموقراطي ومنضبط ومعاد للإرهاب الذي يعرف سلفاً أنكم ستنتمون إلى شبكاته!!
لكن الإنسان خطاء… وجلّ من لا يخطئ!
لم يُعرف عن جيش الدفاع الإسرائيلي أنه “يخطئ”!
إنه “نموذجي” في الدقة والكفاءة: أليس هو الجيش الوحيد في العالم الذي يدرب طياريه ومدفعييه وقناصته على أهداف بشرية حية؟! على منازل يسككنها أهلا، وسنابل ممتلئة بالخير وزيتونات مباركة مثقلة بنتاجها المقدس؟! على رجال ونساء، شيوخ وعجائز وأطفال وفتيات بضفائر وتلامذة مدارس يرسمون على كراساتهم المستحيل الذي يريدون تحقيقه؟!
كذلك لم يُعرف عن هذا الجيش المتحدّر من صلب عصابات إرهابية ذات سمعة دولية مدوية (شتيرن والهاغاناه) احترفت النسف والتفجير والاغتيال والمجازر الجماعية، إنه “يحزن”، بل هو مصدر للأحزان: هو يبتدع أسبابها وينثرها على ضحاياه المختارين.
لكأن الهدف من إعلان الاعتذار تعميم الجو الإرهابي ونشر الذعر في كل الجنوب، بل في كل لبنان: هذه الضربة ليست بالضبط هي الضربة، أما الضربات “الفعلية” و”الصحيحة” فهي المقبلة. لم يكن هؤلاء هم هدفنا بالضبط، أما هدفنا الحقيقي فهم أولئك الذين لم يسقطوا في دير الزهراني قبيل غروب شمس الرابع من آب 1994.
… ولم يُعرف عن أحدث الطائرات الحربية الأميركية أنها تضل طريقها، أو أن صواريخها تتوه عن هدفها فتذهب إلى غير الجهة المرسلة إليها.
أبسط دليل أن هذه الطائرات ذاتها، أو شقيقات لها، قد واكبت قبل يومين فقط من الغارة، طائرة “الملك الضليل”، من البحر إلى النهر، وعلى امتداد فلسطين، فلم يخطئطياروها بدافع “الحقد التاريخي”، ولم يتصرفوا بتوتر أو بتهور أو بعمى الرغبة في الثأر من “العرب”، بل ودعوا “ضيفهم” الكبير بشالوم أرق من شالوم الاستقبال. وهبط إعلان واشنطن بسلامة الله في مطار الملكة عاليه بعمان.
ومع أن الطائرات هي الطائرات إلا أن المهمات تتبدّل ويظل الهدف واحداً: احتلال السماء العربية، الأرض العربية، المياه العربية، الإرادة العربية.
والخيار أمام العربي محدّد: توقع فتواكبك الطائرات الجبارة وتحميك، وتجيء لنجدتك مباشرة من قواعدها في الولايات المتحدة طائرة لمدة سبع عشرة ساعة من دون توقف، أما إذا رفضت التوقيع فإنها تقصفك فترديك.
ولقد سابقت الطائرات التي كانت أميركية فصارت إسرائيلية “دابة” وارن كريستوفر فسبقتها وحددت إطارها وآفاقها ونتائجها سلفاً.
فجيش الدفاع الإسرائيلي يضرب في دير الزهراني وسائر الجنوب وينتظر رابين الصدى في بيروت ورد الفعل في دمشق، أما النتائج فتنهال “رطباً شهياً” من “مختار” غزة و”شريف” عمان.
جيش الدفاع الإسرائيلي لا يحزن،
الحزن هو آخر ما تبقى للعربي، وآخر ما تبقى منه.
الحزن حرفة لا يمارسها إلاالعرب، لأن الآخرين غادروها إلى اصطناع أقدارهم بأيديهم وفوق أرضهم…
أما فوق الأرض العربية فليس غير أحداث الشهداء والمقتولين والموتى والذين ينتظرون القتل، وينتظرون معه “التصنيف”، من صناع السلام الإسرائيلي الآتي بطائرة أميركية أسرع من الصوت.. وأسرع من الموت أيضاً!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان