نشرت في جريدة “السفير” بتاريخ 21 تشرين الأول 1974
احرقوا الأقصى،
احرقوا الفدائي،
احرقوا – في عمى الحقد – الإنسان الإسرائيلي ذاته، واحرقوه حياً تمييزاً له وأعزازاً لكونه من “شعب الله المختار”!
أفليسوا امتداداً للحضارة الأميركية؟
أفليست إسرائيليهم واحة عربية للديمقراطية والحرية والتقدم في الصحراء العربية المقفرة إلا من بدوها المتخلفين، الهمج، أعداء الحضارة وكل ما أعطته الحضارة لإنسان القرن العشرين؟
لكنهم حين عادوا – وقد هدأت نفوسهم – إلى منازلهم وحدوا فلسطين فيها أكثر مما كانت في أي يوم،
من الجدار إلى الجدار، فلسطين.
في الشبابيك والأبواب واللوحات والصور العائلية، فلسطين،
في الشجرة المغسولة بمطر الخريف، في الزهرة المبتسمة للفجر الجديد، في الشارع، على وجوه المارة، في الغيمة والنسمة والشمس الشاحبة، في الجدول المندفع نحو النهر في رحلة العودة الأكيدة إلى المنابع،
فلسطين، فلسطين، فلسطين،
لا القتل أفاد ولا الذبح، لا الاغتيال ولا الشنق، لا غسل الدماغ ولا التشريد، لا شطب الأسماء ولا تمزيق أوراق الهوية وصكوك الملكية وكل ما يثبت به أي حي كونه حياً،
وها هي النار تنطفئ وفلسطين تزداد ألقاً وتوهجاً وحضوراً، تطل مع الفجر، تصير شمس الظهيرة، تمتد مع الضياء إلى أربع رياح الأرض، ثم تستحيل نجمة وقمراً ريثما تندمج – كرة أخرى – مع الفجر الجديد،
ويسمع كل إسرائيلي هدير صوتها الخافت: اليوم السادس من الشهر السادس من السنة السابعة والعشرين…
ويعصف به السؤال: ما تبقى لي إذن من الزمان الفلسطيني؟
أغداً موعدنا أم بعد غد، بعد شهر أم بعد سنة، أم بعد خمس وعشرين سنة أخرى؟
لا يمسح القلق أن يكون موعدها مع ذاتها بعد شهور أو سنين..
إنها آتية، آتية، ليس لإقدامها وقع لكن الأرض تميد،
بل إنها هنا. لقد وصلت. أم لعلها لم ترحل أبداً. لتعلها كانت طوال الوقت في بيتها هذا، في الشجرة والزهرة واللوحة وصورة الأطفال المبتسمين.
هي هنا، فأين جيش الدفاع، أين الجنرالات والفانتوم والأسلاك المكهربة والكوماندوس، وأين الأصدقاء الأميركان؟
هي الماضي، وكنت أحسب إنني الحاضر، وها هي تحتله وتشك رايتها على المستقبل، وكل ما يتبقى لي صفحة في كتاب تاريخ عتيق!
إلي بالنفط،
احرقوها، احرقوني، احرقوا العالم!..