في الموعد تماماً جاء »عيدهم«: عيد جميع القديسين..
ومع أنهم احتفلوا به فرادى وقد خلا كل منهم إلى »شياطينه« يصارعهم فيصرعهم، فإن وهج نواياهم ومصالحهم »المقدسة« قد فرد أجنحته على البلاد، فطمأن العباد، وهدّأ من خواطر المواطنين القلقين على ميزان مدفوعاتهم الشخصية واستقرارهم النقدي وعجز موازناتهم العائلية.
لم يجتمع في بلد مثل ما اجتمع في لبنان من أهل التقوى والصلاح والطهارة ممن يستحقون مرتبة أعلى من مراتب البشر الخطاة والضعفاء أمام إغراء الرذيلة والفساد.
ولم يحكم لبنان، في الغالب الأعم، إلا مَن هو قديس ابن قديسة، ومَن لم يكن كذلك جاءته »البركة« من الحكم المبارك ذاته.
صحيح أن »قديسي« لبنان يختلفون كلية عن أولئك الذين طوّبتهم الكنيسة وآمن بهم الناس وادخروهم ملجأ لأيام الشدة وللنجدة والمساعدة على مواجهة مصاعب الحياة، لكن الصحيح أيضاً أن »قديسي« لبنان حاضرون ناظرون، مبادرون مقدامون لا يجبنون ولا يتردّدون ولا يتورّعون عن مخالفة كل أنظمة الدنيا الفانية ضماناً للثواب في دار السلطة والبقاء.
و»قديسو« لبنان قلّما يلتقون، لأن كلاً منهم »شيخ طريقة« يفضل »أسلوبه« بالذات، ويعمل لكي ينال »نصيبه« كاملاً بغير شريك، ولهذا تتعقّد عملية جمعهم في حكومة واحدة مثلاً، ويكون ضرورياً التوسط لديهم لإقناعهم بأن المشاركة لا تنقض الوضوء ولا تذهب بالبركة، لأن مقسّم الأرزاق لا ينسى أحداً من عباده الصالحين، ولا يضيّع أجر المؤمنين الصادقين..
فأما قديسو الأيام الغابرة فلا فضل لهم في طهارتهم، وكل مجدهم إيمانهم الصلب المجرد.. لا هم كانوا حكّاماً ولا عُرضت عليهم مغريات الدنيا، ولا اندلقت أمامهم كنوز الأرض، مثل »قديسي« هذه الأيام الذين يعتصمون بالعفة فلا يقربون الدنس حتى وهم يسبحون فيه.
هل في قائمة قديسي الماضي مراتب متوهجة مثل:
قديس غبّ الطلب والتلزيم بالتراضي؟
قديس الأوتوسترادات والجسور والأنفاق؟!
قديس الضرائب والرسوم؟
قديس التلفزيون الخاص الرسمي أو الرسمي الخاص؟
قديس الإذاعة الرسمية باستديوهاتها القديمة والجديدة؟
قديس الهاتف الخليوي؟
قديس الكسارات والمرامل؟
قديس النفايات، بلاستيكية أو نووية؟
قديس الموارد المائية والكهربائية، وما بينهما؟
قديس التطهير بالإفساد الإداري؟!
قديس النفط وجميع المشتقات: بنزين، عادي وسوبر، ومازوت وكاز وفيول… لا سيما الفيول؟!
قديس التزكية، نيابة ورئاسة وحقيبة ممتازة؟!
قديس المجالس والصناديق، وما بينهما،
القائمة طويلة بعد، لكن ثمة مَن هو متردد في اختيار مرتبته، وفي جني حصاد صلواته حقائب ممتازة تتناسب مع صفاء نياته كما مع الاحتياجات التي يتطلبها العمل الصالح..
والقائمة مفتوحة بعد، فثمة مجموعة من المرشحين لدخول جنة الحكم بعدما استحصلوا على شهادة تصحّح قيدهم (الوارد خطأ على لوائح الشطب)، وتفيد بأنهم قديسون أبناء قديسات.
كذلك فثمة بعض »المجنّسين« ممن استحقوا مثل هذه المرتبة، بعدما أسقطت عليهم النعمة بالمظلة في آخر لحظة..
وهنيئاً لك يا فاعل الخير،
وكل عام وأنتم، في ظل »قديسيكم« مجتمعين ومنفردين، بألف خير!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان