كشفت الانتفاضة العارمة التي احتلت الساحات والميادين في مختلف مدن لبنان وبلداته وقراه، وصولاً إلى الدساكر الساقطة من الذاكرة، أن المحاولات الحثيثة التي بذلها النظام الطوائفي على امتداد عشرات السنين، لما تنجح ـ أقله حتى الآن ـ في ادامة تفتيت الشعب الواحد ورميه في مستنقعات الانقسام المذهبي والطائفي.
كأنما بسحر ساحر، انبثقت الجماهير من مختلف انحاء لبنان لتتلاقى في العاصمة ـ الاميرة بيروت والتي هجر رأس المال المتوحش اهلها إلى التلال والجبال القريبة، وغير اسم قلبها “ساحة البرج ـ ساحة الشهداء” ـ إلى “الداون تاون”.
كأن اليأس من التغيير قد أخذ الناس إلى البلادة والحرد وهز الرؤوس تعبيراً عن فقدان الامل في امكان تغيير النظام، او ـ أقله ـ على اجباره على التخلي ، ولو بالاضطرار، عن وحشيته واسقاطه الشعب من حسابه، مفسحاً في المجال امام عصابات النهابين والمختلسين والمزورين ولصوص المال العام، الذين تصرفوا مع الدولة على انها مزرعتهم. لقد تعاملوا مع حكامها ومسؤوليها وزراء ونوابا ورؤساء مجالس ادارة للمؤسسات ومجالس الانتفاع الخاص على انهم يشكلون عصابات من المافيا الشرسة التي تتمتع بحصانة تمنع محاسبتها وبالتالي محاكمتها، او اقله وقف نهبها المنظم لخزينة الدولة (وأموال المواطنين فيها) من دون محاسبة وبالتالي من دون خوف من القصاص العادل.
نزلت الجماهير بغضبها الهادر إلى الساحات والميادين، وتلاقت من غير ميعاد، ومن غير برنامج مكتوب، وإن ظل شعارها الجامع: “الشعب يريد اسقاط النظام”!
لم يخف الموظفون في الادارة الرسمية من المساءلة أو حتى الطرد بذريعة الانخراط في العمل التخريبي، والتسبب في الامتناع عن اداء واجبهم في خدمة المواطنين، أهلهم.
ولم يخف لصوص المال العام، قبل الانتفاضة المباركة من المساءلة فالمحاسبة فالعقوبات.. كانوا يراهنون على أن من سرقوا لهم وبإسمهم (مع الاحتفاظ بنصيبهم من الغنيمة) لن يتخلوا عنهم … متناسين أن من “يطنش” على الكبائر، بل يأمر بها لتكون غنيمته، لن يتذكر من سرق له، بل أن مصلحته تقضي بالتخلي عنه لتأكيد براءته من الشراكة معه ومن جرم السرقة.. التي ستتحول إلى غنيمة حرب!
والإدارة، بل الحياة السياسية عموما، في لبنان، كالسمكة تفسد .. من رأسها !
أيها الثوار: عليكم برأس السمكة او الاسماك، بل الحيتان التي نهشت يومكم ودمرت غد ابنائكم. الرأس، ثم الرأس، ثم الرأس .. وبعد ذلك يبدأ الاصلاح.