يتعاظم الافتراق بين “الدولة” و”الشعب”، في هذا الوطن الصغير.. فقد اصطنع الاجنبي هذا “الكيان” بمعزل عن ارادة اهله الذين كانوا موزعين في ولايات عثمانية عدة.
في البدء كانت “الامارة”، معنية وشهابية، في بعض الجبل… ثم استولدت “المتصرفية” لإخراج “جبل لبنان”، بقرار دولي (فرنسا، بريطانيا، روسيا مع موافقة اسطنبول مرغمة… من “السلطنة”، فعلياً، مع مراعاة الشكل..)
بعد الحرب العالمية الأولى وخروج فرنسا وبريطانيا منتصرتين فيها تقاسمتا “المشرق”، فتم الحاق المحافظات الاربع التي كانت ولايات، أي (بيروت والجنوب والبقاع والشمال بالمتصرفية لتقوم “دولة لبنان الكبير” ثم الجمهورية – تحت الانتداب الفرنسي..
وكان على الزمن وقوة الامر الواقع وتعذر أي حل آخر أن “يوحد” جموع اللبنانيين المتحدرين من كيانات عثمانية، فضلاً عن المتصرفية، وقبل ذلك امارة الجبل، في دولة واحدة سرعان ما أعلنها الانتداب الفرنسي “جمهورية” مقسماً مواقع النفوذ فيها على الطوائف مع ارجحية مسيحية (مارونية) في المواقع الاساسية.
على أن الجمهورية لم تكن جمهورية، ولم تكن مستقلة في أي يوم، بل كانت ارض نفوذ للأقوى من الدول البعيدة (بريطانيا مع فرنسا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم فرنسا مع مشاركة سورية محدودة، ثم مصر عبد الناصر اواخر الخمسينات وبامتداد الستينات، ثم اميركية ـ سورية، فسورية ـ اميركية في السبعينات، فوجود فلسطيني متحالف مع السوري ثم متناقض معه، فنفوذ سوري واسع بالشراكة مع الاميركي حتى العام 2005 انتهى مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري..)
ها نحن اليوم في هذه الجمهورية التي يتوزع ولاء زعمائها على الدول الاقوى فالقوية..
ولان سوريا مغيبة بالحرب فيها وعليها،
ولان مصر مغيبة بضعفها وارتهان قرارها (العربي) لاتفاق العار الذي عقده نظامها ايام انور السادات مع العدو الاسرائيلي،
ولان دول النفط والغاز العربية بلا سياسة عربية، وحركتها محكومة بالاستراتيجية الاميركية الاسرائيلية في المنطقة،
ولأسباب أخرى عديدة لا مجال لذكرها هنا فقد انتعشت المارونية السياسية وحاولت وهي مستمرة في المحاولة (مع جبران باسيل ورأس الاسرة واطرافها) لاستعادة النفوذ والامتيازات إلى حد الهيمنة على قرار الدولة، مستندة إلى تعاظم النفوذ الاميركي (والتهديد الاسرائيلي) وغياب اصحاب القرار من العرب (سوريا الغارقة في دمها، مصر المغيبة بمعاهدة الصلح، العراق المتفسخ بعد الاحتلال الاميركي والمهدد بخيار مر بين الحرب الاهلية والتقسيم..)
وليس سراً أن المارونية السياسية تحظى برعاية خاصة من قبل دول النفط والغاز العربية (السعودية اساسا، ومعها الامارات والكويت وقطر)، التي تتعاطى مع شيعة لبنان، وكأنهم ايرانيون، وتحاول استمالة الموارنة على حساب السنة للإفادة من خبراتهم وعلاقاتهم الدولية وخدماتهم الخاصة التي تجعلهم مؤتمنين على الاسرار، داخل البيوت، وخلال الاسفار والاجازات في الخارج، اوروبيا كان ام اميركياً..
تكاد تنتفى وحدة الشعب، بعدما تكرس اعتماد الطائفية في مختلف مجالات الحياة (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً..)
ومع القرار الرسمي بتجاهل وحدة الشعب في دولته المفترضة، والتعامل معه بطوائفه..
ومع تهاوي الدولة امام النفوذ الاجنبي..
ومع تقاسم الحكم على اساس طوائفي ومذهبي،
ومع احتدام الازمة الاقتصادية نتيجة النهب المنظم لموارد الدولة.
مع هذه الآفات، تصبح السفيرة الأمريكية في بيروت هي الحاكم الفعلي والآمر الناهي..
..وتتفاقم الازمة الاقتصادية، ويتردى الوضع المعيشي، فتهج الاجيال الجديدة إلى أي مكان يقبلهم في الخارج، الولايات المتحدة الاميركية واوروبا للدراسة، وشبه الجزيرة العربية لبيع عرق الجبين بالدينار،
عشتم وعاش لبنان..