٢- الجولان إلى الأبد أو نحرق البلد!
ذكَّرْ رئيس الوزراء الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية التي زارها بُعيد سقوط النظام السوري، أن الجولان ستبقى إسرائيلية إلى الأبد. لم ينتبه في حماس اللحظة ربما، أن “أبداً” مؤبداً آخر قد سقط للتو على الطرف الآخر من الحدود، وأن الأبد لم يعد قراراً كما يتصور وكما تصور غيره.
نتنياهو لا يخفي تطلعاته، وهذه ميزة تُحسب له. هو يقول ما يريد أن يفعل… ويفعل! من هضبة الجولان السورية نفسها، قال طريد لاهاي، أنه لولا ضرباته ضد حزب الله وإيران لما سقط الرئيس السوري السابق. كان بوضوح يطالب بالثمن، ثم لم ينتظر فأرسل جيشه إلى منطقة فك الاشتباك كدفعةٍ أولى على الحساب (احتل قرى ومناطق واسعة تبلغ مساحتها حتى الآن ٣٠٠ كم مربع أي أقل بقليل من مساحة قطاع غزة ٣٦٥كم٢) قبل أن يقصف ولايزال، ما تبقى من الجيش السوري المتهالك. هو اليوم يعلن أنه يريد علاقات طبيعية (؟) مع الخلف الصالح.
من جهتها، تركيا لم تتباطأ كي لا يفوتها موسم حصاد ما بذرته. الليرة التركية عملة متداولة وأكثر “عملية” من الليرة السورية ثقيلة الوزن خفيفة القيمة والتي لاتزال تحمل صورة ضيف موسكو، تقف في منتصف الطريق بين الليرة السورية والدولار.
طائرات أنقرة تقصف الأكراد بسهولة ويسر ضمن إطار الصفقة الشاملة السرية. أردوغان يتمدد. رئيس مخابراته برفقة زميله القطري في الجامع الأموي، لا داعي للاحتلال العسكري طالما أنه “يمون” على السادة الجدد.
أميركا هنا، حاضرة غائبة، تقصف داعش حسبما تُعلن، تقود بعض المشهد و تملك أوراقاً ببعضه الآخر، تقول الشيء وعكسه وتقدم من الإشارات المتضادة ما يكفي للحفاظ على غموضٍ ضروري تفرضه المرحلة.
هناك أيضاً دول الحلف السابق، إيران وروسيا وكلاهما تملك أوراقاً كثيرة رغم الزلزال: شبكات نائمة، عملاء، أصحاب مصالح، ديون مديدة الأجل على “الدولة السورية” لا على نظام الأسد. لافت أن تكون السفارة السورية في موسكو أول من رفع العلم الأخضر، ولافت تنصل سفيرها من النظام البائد بسرعة. لا يحصل ذلك في موسكو دون ضوء أخضر روسي. إيران أيضاً ترسل إشارات. صحيح أن الخسارات الإيرانية والروسية قاسية، لكنها ليست نهائية، لا شيء نهائي في السياسة خاصة في سوريا!
هذه هي صورة سوريا الخارجية اليوم: بلد منهك، محطم، منزوع السلاح لعقود قادمة، جغرافيته من شماله إلى جنوبه، هلامية تتقلص على إيقاع الذئاب التي تقاتلت وستتقاتل على مواطئٍ لأقدامها على التراب السوري احتلالاً أم نفوذاً أو أنابيب غاز.
على السوريين أن يعوا هذا الواقع بوضوح دون أوهام ودون أحلام. عليهم أن يعوا أيضاً الأهمية الاستراتيجية الهائلة لزلزال خروج سوريا من المحور الإيراني الروسي الصيني، إلى المحور المقابل. الحدث يعادل في قيمته سقوط جدار برلين. وهو حدثٌ ستطال آثاره لا سوريا وحدها وإنما دولاً أخرى كثيرة.
سوريا التي حمل رئيسها السابق في هروبه الأخير ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه، لم يكن بمقدوره حمل لا الجغرافيا المنتهكة موقعها الاستراتيجي الفريد ولا التاريخ. صحيح أنه أضاف إليه فصولاً بشعة تشهد عليها السجون والناجون منها، لكنه تاريخ هذه الأرض وهو لا يُسرق. ولربما يتوجب على السوريين الالتجاء إليه كي نخفف من حماس اللحظة الصعبة ومن سواد الصورة بآن. فسوريا التي مرّ عليها غزاة ومحن هي اليوم في قلب التاريخ لا باعتباره ماضٍ وإنما لأنه بات بمقدور السوريين- ومن واجبهم- التدخل لكتابة فصله الجديد الذي بدأ للتو. وهو تاريخٌ يقول لمحتل الجولان أن لكل أبدٍ نهاية، وأن الجولان كغزة فلسطين، لا أبد بها ككل سوريا من لواءها السليب إلى جولانها المحتل.