١- الدكتور جولاني أند مستر الشرع*
يملك الجولاني ميزةً لا يملكها غيره: مهما حصل، فهو من حقق المستحيل و أنهى “المملكة الجمهورية” التي استمرت خمسة عقود ونصف. وهذا حدثٌ يضع لبطله الرئيس قدماً في مركبة التاريخ.
لا أحد يستطيع نزع القيمة الرمزية والمعنوية التي بات يملكها الجولاني في عيون شعبٍ عانى وكابد وخاف وتأمل، لا تاريخه القاعدي ولا أسلمته أو ارهابه، ولا تدخل الدول المجاورة، ولا المال القطري ولا الولاء لتركيا، كل ذلك لا يصمد أمام جدار برلين السوري الذي نجح بتحطيمه، كما لا يصمد أمام صورة واحدة من سجن صيدنايا. وهو اليوم يحظى برضا قطاعات واسعة من السوريين تزداد باضطراد، منهم يساريون وعلمانيون، مسيحيون ومسلمون سنة أم علويون، دروز أم شيعة. ليس هذا سهلاً وليس من السهل أن يستمر.
لا أحد يستطيع نزع كل هذا عن الجولاني؟ بلى، شخصٌ واحد يستطيع: الجولاني نفسه! هو الوحيد القادر على تحطيم رمزيته، وربما تكون هذه معضلته الأساسية، فإما أن يغير ذاته بذاته لدرجة إلغائها كي يحافظ على الأيقونة التي أصبحها، وإما ستحوله الأيام إلى ما كانه أولاً: إحدى القيادات المرحلية في المرجل السوري بالغ التعقيد.
الرموز لا تعمر طويلاً، تشي غيفارا وكاسترو مثال، استشهد الأول وبقي الرمز. الثاني شاخ في السلطة، خسر الرمز وتحول إلى دكتاتور شفع له بعض ماضيه. الجولاني مختلف، تغيرت صورته جذرياً منذ بداياته القاعدية وحتى دخوله الجامع الأموي فاتحاً، شديد التواضع خفيض الصوت. لكن ذلك قد لا يصمد كثيراً أمام شعب ثار وخاب أمله ثم انتظر عقداً ونيف قبل أن تتحقق، لمرة، آماله في التغيير.
حذار من الخيبة التي تلي الفرحة!
على ابو محمد الجولاني، سريعاً، أن يقطع المسافة الصعبة بين ابو محمد الجولاني وأحمد الشرع، لا شكلاً ولا بتغيير الملبس وتشذيب اللحية، وإنما بوضع جولاني التحرير على الرف ليترك المجال لأحمد الشرع.
وأحمد الشرع مواطن سوري يملك كافة الحقوق التي مهدت لها ثورة شعب دفع ثمنها من حياته وأمانه. سيكون للمواطن أحمد الشرع أسوةً بغيره حق الترشح وحق الانتخاب وحق الاختيار.
وهو لا يحتكر السلطة، ولا يفرضها، يحاول ولأنه الأداة واليد التي أنهت الاستبداد، أن تكون المواطنة حقيقية تستند إلى دستور ومجلس شعب غير صوري وأحزاباً حرة.
الوقت لا يمهل، وسوريا لاتزال تحت تهديدات جدية ومصيرية، داخلية وخارجية. لقد أثبتت حتى الآن قدرة على الاستمرار وربما تثبت مستقبلاً قدرتها على التسامح حين تتحقق لها العدالة.
عداد الوقت يمر وهو اليوم ثمين والتحول باتجاه سوريا المواطنة يجب أن يبدأ من اليد التي حققت حريتها، يد الشرع لا الجولاني. فإما أن يكون استمراراً لثورة الـ٢٠١١ أي منسجماً مع تطلعات الناس، وإما سيصبح سريعاً على قطيعة معها أي مجرد صاحب انقلاب على النظام السابق. لنراهن أنه لا يزال يملك الخيار لمهلة زمنية قصيرة.
اقتباس من عنوان رواية: دكتور جيكل ومستر هايد ـ روبرت لويس ستيفنسون