فجر الاول من تشرين الثاني 1980، هز انفجار عنيف منطقة “السارولا” في الحمراء. كنت في بيتي القريب من موقع الانفجار، فاهتز لعنفه، بينما زوجتي التي افاقت معي تصرخ مذعورة: ـ انها مطبعة “السفير”.
ارتدينا ثيابنا على عجل وقصدنا مبنى “السفير”، من مدخله الخلفي الذي يؤدي مباشرة إلى المطبعة: كانت ألسنة النيران ترتفع وسط دخان كثيف يغمر المباني المجاورة التي افاق سكانها مذعورين، واندفع بعضهم حاملاً اطفاله إلى البعيد، في حين أقدم عدد آخر على الاقتراب من المبنى، وسط اللهب، يحاول اطفاء النيران بما وسعه من وسائل محدودة.
عند مدخل المطبعة التي تنبعث منه السنة النيران مزغردة، كان بعض الجيران يحاول انقاذ ما يمكن ان تمتد اليه النار في بيوتهم.
لم يكن ثمة حرس، بل كلفنا “ناطور” البناية “أن يفتح عينيه”، في انتظار أن تنتقل اسرة “السفير” جميعاً إلى المبنى الجديد، وقد “خطفه” من قام بتنفيذ الجريمة وأخذوه بعيداً عن المكان، ثم أطلقوه بعدما حملوه رسالة قصيرة مفادها: اليوم المطبعة، اما في الغد فرأس “معلمك” هو المطلوب.
كان احد الجيران منفعلاً إلى اقصى حد، وقد استقبلني وزوجتي مغضباً لنا وهو ينظر اليّ شزراً: مش الحق عليك، الحق على مرتي.. كانت تتباهى بأننا جيران “السفير”.
اتصلت، لكي افعل شيئاً!! برئيس الحكومة، آنذاك، المرحوم شفيق الوزان، الذي رد وقد أفاق من نومه منزعجاً، فاعتذرت منه وابلغته بما حدث، فاعتذر مني وهو يقول: ليس عندي الآن أحد.. في الصباح نرى ما يمكن فعله..
في الصباح جاء الجميع: مسؤولون كبار وصغار، زملاء متعاطفون وفضوليون، قراء متضامنون والكل يعرضون مساعدة مشكورة، بعد فوات الاوان.
ولم نكن بحاجة إلى رفع ركام المطبعة ـ العروس التي احترقت في ليلتها الأولى وقبل أن تطبع الا ما يثبت اهليتها لان تخرج من “رؤوسها” الستة الجريدة التي شعارها “صوت الذين لا صوت لهم..” والتي استعصت على النار ومحاولات الاغتيال والنسف والاسكات بالأمر!