لا يمكن الحديث عن مصادفة في التوقيت الذي اختاره الرئيس الأميركي جورج بوش لاستقبال زعيم الغالبية النيابية سعد الحريري في المكتب البيضاوي، كتتويج لسلسلة من اللقاءات تشمل نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندليسا رايس وزعماء الكونغرس، جمهوريين ومحافظين، إضافة إلى الأبرز من قادة المحافظين الجدد ، داخل الإدارة وخارجها.
لقد طلب رئيس تيار المستقبل هذا الموعد الاستثنائي في خطورته قبل شهرين… لكن الرئيس الأميركي اختار له هذا التوقيت بالذات، لأسباب تتصل بالمصالح التي تملي على إدارته سياستها في المنطقة عموماً، ولبنان منها… وهي سياسة ناجحة بكل المعايير ومكتوبة بالدم العراقي القاني!
(أما الدم الفلسطيني فمدخر لكتابة المقررات التي ستكون للمؤتمر الدولي الذي تحاول واشنطن أن تبيعه للعرب، في حين تشير مقدماته إلى أنه صنع من أجل إسرائيل ، وإلى أنه قد يكون الفصل الأسوأ والأمرّ في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحد الأدنى من الأدنى من حقوقه في أرضه أو ما تبقى مما سيُعطى له منها!)..
واستناداً إلى اللقاءات المتكررة التي كان سعى إليها سعد الحريري مع الرئيس نبيه بري، نهاراً وليلاً، وكذلك إلى التصريحات والخطب الرمضانية الأخيرة، فلقد كان اللبنانيون قد استبشروا خيراً، وافترضوا أن الطريق إلى الوفاق بات سالكاً، وأنه لم يعد يحتاج إلا إلى التفاهم على العهد الجديد بعنوان الاسم الذهبي لرئيس الجمهورية العتيد.
لكن تعابير من نوع الوفاق الوطني أو توافق اللبنانيين أو الإلحاح على انتخابات رئاسية تعيد جمع اللبنانيين وتوحيد صفوفهم حفظاً لدولتهم ومستقبل أجيالهم فيها، كلها غابت عن الكلمات الرسمية الباردة التي أطلقها الرئيس الأميركي مدغدغاً فيها مشاعر القائد الشاب وطموحاته مع وعود غامضة بدعم حكومة السنيورة والقوى الأمنية في مواجهة المتطرفين ..
بالمقابل، وبعد كل هذا الحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، أبلغ الرئيس الأميركي ضيفه أنه في غاية القلق إزاء التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية.. وأن هذه الرسائل وصلت إلى دول مثل سوريا، بأنه يجب أن توقف تدخلها في الانتخابات الرئاسية… ونحن نتوقع أن تحترم سوريا هذه المطالب .
[ [ [
ليست الإدارة الأميركية معنية، إذاً، بالوفاق الوطني في لبنان، وبرئيس للجمهورية يكون أرض لقاء بين القوى السياسية المختلفة وعنواناً للعهد الجديد. إنها معنية بأن لا يتدخل غيرها في هذا الأمر.
… وواضح ان الوفاق الوطني ممنوع من الدخول إلى الأرض الأميركية، وأن اسمه مدرج على واحدة من القوائم التي لا تفتأ هذه الإدارة تصدّرها بين الحين والآخر، مرة لابتزاز المعارضين، ومرة ثانية لتعزيز جبهة الموالين..
واضح أيضاً أن الوفاق مصلحة وطنية لبنانية وليست أميركية..
ثم إنه في متناول اليد لمن يطلبه ويرغب فيه، بل ويحتاجه ويريد حقاً الوصول إليه كمدخل إلى حل يجنب هذا الوطن الصغير مخاطر مصيرية..
إن الوفاق الوطني قريب، قريب، لا يحتاج إلى السفر إليه بالطائرة..
وليس اكتشافاً للبارود أن يقال إن من الممكن الوصول إلى هذا الحل السحري للأزمة… سيراً على الأقدام!
فبيروت بجهاتها المختلفة وضواحيها التي تتكامل معها فتكبر بها وتكبرها، أعظم ما فيها قلبها وليس مساحتها.. وما أيسر التواصل فيها لمن رغب فيه..
هل نحتاج إلى التذكير بأن واشنطن، بالبيت الأبيض فيها وإدارة جورج بوش ودهاليز المحافظين الجدد فيها، والكونغرس الذي يريد أن يفتدي جنود الاحتلال الأميركي بوحدة العراق، لم تشتهر بالحرص على الوفاق الوطني أو الوحدة الوطنية في أي بلد يكابر شعبه فلا يخضع لهيمنتها؟!
وإذا كان قد فات وقت النقاش في مبدأ الزيارة، وبهذا التوقيت، فلا أقل من ملاحظة جوهرية واحدة: ألم يكن من الإكرام للذاهبين إلى واشنطن أن يزوروها بوصفهم قد أنجزوا مهمة وطنية جليلة بإكمال مسيرة الوفاق، بما يؤكد جدارتهم بشرف القيادة في بلادهم، بدل أن يذهبوا إليها كطرف أو كممثل لقسم من اللبنانيين في حين كان متاحاً لهم أن يخاطبوها، وغيرها من العواصم القريبة والبعيدة، بوصفهم يمثلون لبنان الموحد بقراره في شأن حاضره وغده؟!
والرحلة والنصائح المواكبة لها لم تصل إلى خواتيمها بعد..
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان