لا يشيخ الحلم ولا يموت.
كل ما في الأمر أن يوسف خطار الحلو قد تعجّل العودة إلى مهجع الأحلام في وجداننا.
لعله قد حزن كثيرù، وبنبل الفارس الذي أمضى حياته يناضل بشرف، مندمجù في الفكرة متماهيù معها بما يشغله عن الخلل في التنفيذ كما عن بؤس المنفذين. لعله، هو الموعود والمهيء نفسه للنصر الإنساني البهي، قد أمرضته الانهيارات والانتكاسات والهزائم.
لعله لم يستطع فهم المفارقة الموجعة: كيف يندحر الفجر الجديد أمام التاجر بل المرابي الذي يزعم أنه قد اشترى »الديك« المبشر بانبلاجه؟!
كيف تتهاوى القضية حتى لو أخطأ ممثلوها أو الناطقون باسمها؟!
كيف يبتعد الإنسان عن أحلامه في تحقيق العدل والمساواة والحرية والغد الأفضل، كائنة ما كانت الدعايات وبراعة الخصم في التزوير والتزييف؟!
لعل »أبا وضاح« قد استطال الرحلة بين الثورة الاشتراكية العظمى والنظام العالمي الجديد. لعله قد تعب من الانتظار.. ولكنه أبدù لم ييأس ولم يخاصم الشمس لأن غده الموعود قد تاه عن طريقه إليه أو أنه قد أخطأ فطلبه قبل الموعد المضروب.
في نقابة الصحافة كان يوسف خطار الحلو هو الضمير. هو المهنة في شرف رسالتها، وهو »الزميل« بأرقى معاني التضامن، وهو »الأخ« الذي لم تلده أمك، هو ترسك، إن كنت في معركة، وهو اليد الحانية إن كنت في مرض، وهو مصدر البهجة إن كنت مبتئسù، وهو »شيخ القوالي« إن كنت تطلب المرح، وهو المنطلق كفراشة في حلقة الرقص إن كانت الجلسة للأنس مع الخلان الذين يقدرون بنت الكرمة ويطربون للشعر الشعبي بأنواع الزجل جميعù.
في الكتابة شكَّل »ذاكرتنا« لحقبة طويلة كادت صفحاتها تضيَّع أو تنسى أو تهمل عمدù.
ولعله من بين الشيوعيين أحد قلة لم تدفعه الماركسية إلى هجران العروبة، فكان يستعيد في كل فرصة وقائع أحداث تؤكد التزاوج الصحي بينهما من أجل الإنسان في وطنه وفوق أرضه وبقوة وجدانه مع احترام موروثه الديني.
وعليَّ أن أعترف أنني واحد ممن تعلموا الكثير من هذا الفلاح الأصيل، ابن حصرايل، لا سيما في احترام الزمالة، كما في تقدير الخصم الفكري، وفي ابتداع التسويات لحماية نقابة الصحافة كمؤسسة مهنية من شرور السياسة ومن آثام الطائفية.
الحالِم الدائم مستغرق الآن في حلمه البهي.
لقد قاوم المرض والشيخوخة واليأس حتى جفّ الزيت تمامù فانطفأ.
وأكيد أنه لو كان يستطيع أن يقاوم يومù إضافيù بعد لما رحل، مفترضù أنه بذلك يطيل أمد صموده في وجه مشاريع الامبريالية وأطماع الصهيونية ومخططات إسرائيل التوسعية.
وأكيد أنه لو استطاع لأعطى نور عينيه للمقاومين بالسلاح داخل فلسطين أو في جبل عامل، أو للمقاومين بالفكر أو بالجهد من أجل غد أفضل للإنسان في أربع رياح الأرض، غد الحرية والاشتراكية والعدالة.
وداعù أيها الفارس الذي لم يترجل إلا من أجل أن يقاتل من داخل حلم جديد.
وداعù أيها الطيب كنسمة بحرية تدغدغ وجه فلاح يسقي الأرض عرقه لتنبت أحلامù لكل الناس.
وداعù أيها الرقراق كروح… وداعù أبا وضاح!
طلال سلمان
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان