في اليوم الثامن عشر بعد المئة، أمل يزداد كل يوم ويكبر بقرب نيل شعبنا حقوقه الثابتة في وطنه، وبزوال الاحتلال.
***
تقترب الحرب من دخول شهرها الخامس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينظر من حوله، فيجد الأفق شبه مسدود أمامه، ليس على الصعيد الداخلي فحسب، وإنما على الصعيد الخارجي أيضا. فقد نصب لنفسه شركا يصعب الخلاص منه بعقد شراكة مع كل من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموترتيش، اليمنيين المتطرفين.
وبدأ الإسرائيليون يعتقدون أن سياسات هؤلاء الشركاء قد قادت إلى وضع هو الأصعب الذي يشهده الكيان منذ إنشائه.
وقد بدأ يتجلى زيف إعلانات نتنياهو المتكررة بأنه العقبة المنيعة أمام إقامة دولة فلسطينية. وتكفي قراءة بيانات عدد من الدول الأوروبية عن استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية لإثبات أن نتنياهو واهم على هذا الصعيد. غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد: فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها “تفكر” في الإعلان عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، كجزء من التسوية للصراع الدائر.
وبات الأمر يطال حتّى مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية. فإسرائيل التي كانت “ميني إمبريالية” في المنطقة، منشغلة الآن بالدفاع الوجودي عن ذاتها أكثر من انشغالها بحماية مصالح الغرب في المنطقة. وواشنطن كانت أوّل من فهم ذلك، سواء من خلال موقفها من التطورات البحرية في اليمن، أو اضطرارها لحماية قواعدها في كل من سوريا والعراق.
ومع ذلك، يبقى نتنياهو مضطرا للتعامل مع واقع أهداف الحرب كما أعلنها لأنها المقياس لفشله ونجاحه، والمعيار هو هزيمة المقاومة واستعادة المختطفين.
وعلى صعيد هزيمة المقاومة، وكلما تحدث العدو عن إنجازات يحققها، يصطدم باستمرار المقاومة حتّى في شمالي غزة. وأجبرت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية العدو الى سحب قوات الاحتياط كلها تقريبا من القطاع لتقليل الأضرار والخسائر.
وفي ما يتصل بتحرير المختطفين، ثبت عمليا أن الضغط العسكري، على قوته، لم ينجح في تحرير ولا حتى جثة واحدة لمختطف إسرائيلي، فذهب الجميع الى “خطة باريس” التي صاغها رؤساء الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والمصرية، ورئيس الوزراء القطري. وبرغم الكلام الكثير عن احراز تقدم، إلّا أن من يتابع التصريحات الإسرائيلية يعرف أن العقبات أمام الصفقة مازالت إسرائيلية.
فنتنياهو يعلن طوال الوقت أنه ليس على استعداد لتحرير المختطفين “بأي ثمن” وبأن لديه “خطوطا حمراء”.
وقال أمس لوسائل الإعلام إن هناك اتصالات للحصول على “مخطط آخر”، إلا أن ما أورده من مطالب يكاد ينسف امكانية أي اتفاق.
وكشف نتنياهو عن “الخطوط الحمراء” التي وضعتها حكومته في المفاوضات بشأن صفقة باريس، قائلا “نحن نعمل على الحصول على مخطط آخر للإفراج عن الرهائن لدينا، ولكنني أؤكد: ليس بأي ثمن. لدي خطوط حمراء، من بينها: لن ننهي الحرب، ولن نخرج الجيش الإسرائيلي من القطاع، و لن نطلق سراح آلاف المخربين”.
وشدد أيضًا على أننا “نعمل باستمرار على تحرير رهائننا وتحقيق أهداف الحرب الأخرى: القضاء على “حماس” والوعد بأن غزة لن تشكل تهديدًا علينا بعد اليوم. إننا نعمل على تحقيق هذه الأهداف الثلاثة معًا ولن نتخلى عن أيٍ من هذه الأهداف”.
وهكذا، فإن إسرائيل تدّعي، نظريا، أنها تنتظر رد “حماس” على مقترحات صفقة باريس، لكنها من الناحية العملية لم تعط بعد أي ردّ رسمي بشأن الصفقة. وربما يكون ذلك ما دفع نتنياهو للحديث عن سعيه لإبرام “صفقة مختلفة”.
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مسؤولين عرباً وأميركيين، مطلعين على تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل وبين حماس، يقولون إن الولايات المتحدة تدفع إسرائيل نحو وقف لإطلاق النار طويل الأمد، بما يوقف الزخم العسكري في القطاع.
ووفقاً للصحيفة، فقد اعتبر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز وفريقه المفاوض أن إسرائيل سوف تجد صعوبة كبيرة في استئناف الحرب بالوتيرة الحالية بعد وقف طويل لإطلاق النار.
ولم تعط “حماس” بعد جوابا رسميا حول صفقة باريس، إلا أنها تعلن دوما أنها لن توافق على أي صفقة إذا لم تتوقف الحرب ولم تخرج قوات الاحتلال من غزّة.
وترى وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نقاط الخلاف الرئيسية الآن تتعلق بنوعية المعتقلين الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم وبعددهم، بالإضافة إلى مطالب “حماس” بضمانات بإنهاء الحرب.
إلا أن “وول ستريت جورنال” نقلت عن مصادر، لم تحددها، قولها إن حماس ستكون مرنة بشأن مدة وقف إطلاق النار – طالما أن هناك ضمانات لوقف إطلاق نار طويل الأمد.
وهناك مخاوف متزايدة في المنطقة كما في الولايات المتحدة من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، مع استمرار العدوان على قطاع غزة، الأمر الذي يشكّل حافزا للأطراف المعنية للدفع من أجل وقف إطلاق النار لفترة طويلة.
وليس من المستبعد أن يتوصل الإسرائيليون، في حال الموافقة على الصفقة، إلى استنتاجات نهائية بشأن المرحلة الثانية حتى قبل إطلاق المرحلة الأولى منها. ولكن، في كل الأحوال تمت صياغة الخطوط العريضة للمراحل بحيث يمكن البدء بالتنفيذ – ومن ثم مناقشة المرحلة الثانية.
وكان الطرف الإسرائيلي قد أصرّ على أن له الحق في العودة إلى القتال في نهاية كل مرحلة. وقال مسؤول إسرائيلي كبير: “إن حماس تريد إنهاء القتال لكننا لن نمنحهم السلام”.
في غضون ذلك، يتنظر قادة العدو تحديثا من الوسيط القطري بشأن رد قيادة “حماس” على ” خطة باريس “. التي قُدّمت لحماس كمبادرة متفق عليها من الجميع: قطر ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل.
ولكن المخطط هو في الواقع مبادرة إسرائيلية صممها كل من رئيس الموساد ديدي بارنيا، والقائم بأعمال اللواء نيتسان ألوف، ورئيس الشاباك رونان بار، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان اللواء هرتسي هاليفي. كما تم تقديم الخطة والموافقة عليها من قبل كابينت الحرب، ما ضمن بدء المفاوضات بشأن الصفقة.
وبحسب الخطوط العريضة المدرجة على جدول أعمال “صفقة باريس” التي تشمل ثلاث مراحل، فإن المرحلة الأولى تتضمن إطلاق سراح 15 امرأة وطفلين، بالإضافة إلى جميع الجرحى والمسنين والمرضى من الجنود الإسرائيليين لدى “حماس”، خلال فترة هدنة مدتها 45 يومًا. ويبلغ إجمالي الأسرى في هذه المرحلة 35، وفق مبدأ استراحة يوم واحد لكل مختطف يفرج عنه، بالإضافة إلى عشرة أيام للإفراج عن مختطفين إضافيين تختارهم “حماس” – بالإضافة إلى أسبوع لإجراء المفاوضات بشأن المرحلتين الثانية والثالثة.
ويتضمن المخطط أيضاً عنصرا على قدر كبير من الأهمية يتّصل بزيادة المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤول إسرائيلي “رفيع المستوى” قوله إن “إسرائيل وحماس مثل قاطرتين تسيران على المسار نفسه. والسؤال الآن هو ما إذا كانت القاطرتان ستلتقيان أم تتصادمان. نحن على المسار نفسه، وهذا يعد تقدما بالتأكيد. لكن ليس من الواضح بعد عدد السجناء الذين ستطالب بهم حماس مقابل عودة المختطفين، وبأي “نوعية”، إذا كانوا يعيشون في الأحلام في السماء – فلن يمر”.