يبدو الوطن العربي، في هذه اللحظة، مجموعة من الكانتونات والولايات ـ جمهوريات وممالك وامارات ـ يرعاها ويحكمها “الاستعمار الجديد” ممثلاً بالعدو الاسرائيلي، مباشرة، او بالنيابة عن الولايات المتحدة الاميركية ومعها.
لكأننا في العام 1920، حين جرى تقاسم الوطن العربي بين “الحلفاء” المنتصرين في الحرب العالمية، أي بريطانيا وفرنسا.. وقد “ورثتهما” الولايات المتحدة الاميركية، واضافت إلى البلاد التي كانت خارج المشرق اقطار شبه الجزيرة العربية والخليج: السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر، فضلاً عن الكويت التي غامر باحتلالها صدام حسين في صيف العام 1990، ثم دفع العراق الثمن عندما “غزته” الولايات المتحدة منشئة تحالفاً عسكرياً قوياً ضم العديد من الاقطار العربية في موقع الشريك ـ الواجهة، قبل أن تحتله بالكامل، وتسلم صدام إلى شيعة العراق ليعدموه في مشهد منفر يبشر بعودة الفتنة إلى ارض الرافدين.
… وها هي جيوش “السلطان” اردوغان تتقدم داخل الارض السورية حتى ما بعد حلب، “متحالفة” مع بقايا “القاعدة” و”جندالله” وسائر التنظيمات الارهابية فتفرض على الجيش السوري أن يقاتلها (بالتحالف مع فصائل من القوات الروسية المتواجدة على الارض السورية) لإعادة تحرير الارض السورية من “الاحتلال التركي” الجديد.
…وها هو “بطل” الانقلاب في السودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان، يطير إلى كينيا في رحلة سرية، ليلتقي فيها رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويعود ليأمر بفتح اجواء السودان امام رحلات الطيران الاسرائيلي (“العال” المتجهة إلى اوروبا واميركا.. متحديا بذلك قرارات المقاطعة العربية، ومسقطاً مقررات القمة العربية الأولى بعد هزيمة 1967 والتي انعقدت في الخرطوم، واقرت اللاءات الثلاث: “لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف”.
…حتى في لبنان تحاول الولايات المتحدة الاميركية أن تحول المبنى الجديد لسفارتها في ضاحية عوكر ـ شمال غرب بيروت على مساحة 164 الف متر مربع، وكذلك المطار العسكري في قاعدة حالات إلى “محميتين اميركيتين”.
هذا من دون أن ننسى أن مصر مكبلة بمعاهدات العار التي عقدها الرئيس الراحل انور السادات مع العدو الاسرائيلي في كمب ديفيد تحت الرعاية الاميركية..
..ومن دون أن ننسى أن “جماهيرية القذافي” في ليبيا قد صارت اثراً بعد سنين، وان ارضها مفتوحة الآن لكل من رغب فقدر، يستوي في ذلك العربان (قطر وابو ظبي..) وبعض الوحدات الاميركية وبعض الروس وبعض الجيش المصري (ولو متنكراً) وكل من رغب واستحلى..
اما تونس فتهتز تجربتها العربية في الديمقراطية تحت ضغط الاخوان المسلمين الذين كانوا قاب قوسين من الاستيلاء على السلطة، ثم أنقذها وعي التونسيين وصلابة رئيسها الجديد قيس سعيد المتميز بالوعي وعمق الثقافة بعد تجربته الطويلة في العمل الثقافي في إطار جامعة الدول العربية.
باختصار، ليس من “دولة” عربية مستقلة فعلاً، او يمكنها الادعاء أن قرارها حر، سواء اكان يتصل بالخروج على الارادة الاميركية او ـ وهذا هو لب المسألة ـ يتصل بضرورة العمل لتحرير فلسطين، مثلاً ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي..
الخلاصة: دار الزمن بالعرب دورة كاملة فاذا بالاستعمار، جديده والقدين، يعود للهيمنة على بلادهم ومقدراتها جميعاً، واذا العديد من دولهم تتزاحم على الصلح مع العدو الاسرائيلي (هل من الضروري الاشارة إلى أن ثلاثة من سفراء الدول الخليجية كانوا اشد المتحمسين تصفيقاً للرئيس الاميركي دونالد ترامب، وهو يعلن عودة الاستعمار إلى بلادهم كافة، وضياع فلسطين بأكملها (مع بعض الاردن) عبر صفقة القرن؟!
من حق ترامب أن يزهو بهذا “الفتح المبين” ومن حق نتنياهو أن يقف معتزاً بهذا النصر المجاني الذي يعطيه فيه من لا يملك اكثر مما يستحق من الارض العربية..
ملاحظة للتذكير فقط: في الاغوار توجد مدافن العديد من صحابة الرسول محمد بن عبدالله، ممن استشهد في معركة فتح دمشق، من بينهم ابو عبيدة الجراح.
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ………… ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
تنشر بالتزامن مع السفير العربي