غزة ـ حلمي موسى
تتركز الأنباء كلّها حاليا حول رفح.
ورفح هي معبر قطاع غزة إلى مصر، وهي حاليا ملاذ غالبية سكان القطاع الذين دفعتهم قوات الاحتلال للنزوح من ديارهم.
ويعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، في نوع من صراع مع الجيش، أن عدم إتمام مهمة قوات الاحتلال في رفح وتفكيك “كتائب” حماس فيها والسيطرة على محور فيلادلفي، يعني خسارة الحرب.
في المقابل، يكاد العالم يقف على رجله محذرا من مجزرة وكارثة إنسانية إذا دخل جيش الاحتلال إلى رفح في وضعها الحالي. وتهدد مصر، من جانبها، بأنه إذا قادت العمليات العسكرية في رفح إلى نزوح الفلسطينيين إلى سيناء، فإن ذلك سيؤدي إلى إلغاء معاهدة “كامب ديفيد”.
أمّا جيش العدو، وعلى لسان رئيس أركانه الجنرال هرتسي هاليفي، فيعلن بأن لديه خططا عسكرية لرفح، ولكن تنفيذها يحتاج إلى ظروف سياسية ملائمة من بينها إخلاء السكان والتنسيق مع المصريين.
وقام هاليفي، بصحبة كل من رئيس الشاباك رونين بار وقائد القيادة الجنوبية وقائد الفرقة 98، بزيارة خانيونس أمس لإجراء تقييم للوضع على الأرض.
وقال هاليفي في نهاية التقييم إن المقاتلين يعملون على تفكيك “لواء” خان يونس وتدمير بنيته التحتية وقتل عناصره، وهذه أعمال مهمة. أضاف: “لم تنتهي العملية بعد، ونحن بعيدون عن انتهاء القتال بعد”. وهذا يعني أن توجيه الجهد الأساسي للقوات نحو رفح غير ممكن قبل الانتهاء من خانيونس.
ولكن نتنياهو يعاني من ضغوط هائلة، داخلية وخارجية، تدفعه لمطالبة الجيش بإنجاز مهمة رفح في وقت قريب جدا. وسبق أن تحدث مع الأميركيين عن مدة أسبوعين. فهو يريد الانتهاء من العمليات الكبيرة قبل حلول شهر رمضان، بسبب التقديرات بأن تواصل الحرب بكثافة في رمضان سوف يزيد من غضب الفلسطينيين في الضفة الغربية، والمسلمين في العالم، وسيجعل المهمة أكثر صعوبة.
ومعروف أن الجيش الإسرائيلي لم ينجز بعد مهمة السيطرة على النصيرات ودير البلح، وذلك قبل الحديث عن بدء معركة في رفح.
ويبدي الإسرائيليون تخوفات متزايدة من رد فعل محتمل من الجانب المصري من الممكن أن يقلب منظومة العلاقات بين الدولتين رأسا على عقب.
ومن بين تأثيرات التوتر الأولى الخشية من اضطرار مصر إلى البدء بتسهيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة من دون التنسيق مع العدو. وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تخشى من أن يؤدي استمرار تأخير المساعدات الإنسانية إلى دخول الشاحنات من دون إشراف إسرائيلي عند معبر رفح.
وكتب المراسل العسكري للصحيفة يوسي يهوشع أنه “مع اقتراب نهاية العملية الهجومية في خان يونس، وتفكيك “لواء” حماس هناك، يستعد الجيش الإسرائيلي لمناورة في رفح حيث سيقوم بتفكيك “أربع كتائب”، تعتبر، بحسب تقديرات الجيش، أضعف بكثير من كتائب خان يونس. لكن التحدي يكمن في كيفية القتال عندما يكون هناك حوالي مليون وأربعمئة ألف مدني في المنتصف”
ونقل يهوشع عن “مسؤولين كبار في جيش العدو قولهم “إنه مع انتهاء عمليات الجيش في خان يونس، “سيتم فتح ممر في رفح يسمح بعودة السكان إلى خان يونس. لكنه أمر يمكن أن يستغرق وقتًا طويلاً، وشهر شهر رمضان سيحلّ في الشهر المقبل.”
يضيف أن مصادره تعتبر أن ” جيش الدفاع الإسرائيلي كان يريد إنهاء نشاطه في رفح قبل شهر رمضان، ولكن هناك شك كبير في أن يحدث ذلك بسبب التعقيدات السياسية والعسكرية. وحتى ذلك الحين، سوف يهاجم جيش الدفاع أهداف حماس في رفح من الجو.”
ويرى الكاتب أن إسرائيل تريد تحقيق أمرين في المستقبل القريب: الأول هو بالطبع صفقة التبادل، والثاني هو التعامل مع محور فيلادلفي. والعامل المشترك بين الاثنين هو مصر.
ويؤكد إنه على النقيض من تبجح بعض عناصر النظام السياسي، فإن الجهاز الأمني يطمئن ويوضح أن النشاط العملي في رفح، وبالتأكيد إذا كان في فيلادلفي، سيتم بالتنسيق مع مصر وبدعم دولي – أي أميركي – لإسرائيل، مشددا على أنه من دون التنسيق مع مصر ومن دون الغطاء الأميركي، فإن هذا العمل التكتيكي قد يتحول إلى حدث استراتيجي يضر بأهداف الحرب.
وفي الأسابيع الأخيرة، أصدر الأميركيون، وكذلك أعضاء آخرون في المجتمع الدولي، تحذيرات للحكومة الإسرائيلية في أعقاب تظاهرات المستوطنين وأهالي المخطوفين التي جرت على معابر غزة الحدودية. وتخشى المؤسسة الأمنية أن تؤدي تلك التظاهرات المعارضة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في نهاية المطاف، إلى إدخال البضائع من دون إشراف أو تفتيش إسرائيليين عبر معبر رفح.
وقبل أسبوعين، أدت الاحتجاجات عند معبري نيتسانا وكرم أبو سالم إلى انخفاض كبير في حجم البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة، وبالإضافة إلى انتقادات واشنطن وضغوطها على الحكومة الإسرائيلية، يعترف الجيش الإسرائيلي أيضًا بزيادة الضغط على مصر، ما قد يدفع المصريين إلى إدخال المساعدات إلى قطاع غزة مباشرة عبر رفح دون تفتيش إسرائيلي.
وترى “يديعوت” أن التنسيق مع مصر، الذي يسمح لإسرائيل بإجراء فحص “أمني” لكل شاحنة تدخل القطاع عبر المعبر الذي تسيطر مصر عليه، يكاد يكون غير مسبوق، معتبرة أن الإضرار بهذا التنسيق سيضر بأمن إسرائيل أكثر من مصر، ولذلك فإن الجيش منزعج ويحذر من احتمال نقل الأسلحة من دون تفتيش.
تضيف الصحيفة إنه “على المستوى الاستراتيجي أيضاً، إذا أردنا أن نرى صفقة تبادل قريباً، فمن الأفضل أن نحافظ على علاقات وثيقة ودافئة مع مصر – وهي لاعب مهم جداً في أي صفقة مستقبلية. حتى لو تمّ ذلك على حساب قرار غير شعبوي ضد قاعدة معينة.”
ويمارس المصريون ضغوطا كبيرة ولا يكتفون بالتهديدات والتحذيرات بالإضرار بالعلاقات بين البلدين. فقد تقدموا بالدبابات وقوات المشاة إلى الحدود، وخوفهم الأعظم يتلخص في تدفق أعداد كبيرة من سكان غزة إلى سيناء، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى اختراق الحدود.
وسعى مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى طمأنة المصريين وقال إن الجيش الإسرائيلي لن يتجاهل مخاوفهم في حملته، وأن العمليات ستتم بالتنسيق مع الجيش المصري، مضيفا أن “العلاقة مع مصر استراتيجية وطويلة الأمد ومهمة لاستمرار الحرب والتعامل مع قضية الأسرى. فالعلاقات بيننا ممتازة “.
ويهدف هذا الكلام إلى تخفيف الضغوط المتزايدة، ليس في مصر فحسب، بل في العالم أيضًا، خاصة بين منظمات حقوق الإنسان.
ومهّد نتنياهو يوم الجمعة الطريق للعمل في رفح، قائلا إنه من المستحيل تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس، مع بقاء أربع كتائب تابعة لها في رفح.
ومن البديهي أن عملية واسعة النطاق في رفح تتطلب إخلاء السكان المدنيين من مناطق القتال. وأشارت “يديعوت” إلى أن نتنياهو يحاول عبر الإعلام خلق أزمة مع الجيش تظهره بأنّه يحثه على التحرك فيما الجيش يتباطأ.
ولكن نتنياهو يعرف صورة الوضع القتالي، ويعرف في الأساس أن الفرق خرجت لتجديد نشاطها والاستعداد لحرب محتملة في الشمال، كما أنّه يدرك ك مدى ترتيب القوات والحساسية السياسية، إلا أن التسريبات التي تظهره كحصان يعدو بينما الجيش متكاسل، تخدم مصالحه.