غزة ـ حلمي موسى
في اليوم الثامن والعشرين بعد المئة، بدأ العالم يفيق على تلال الكذب الصهيونية، وصوت الحقيقة صار يعلو. جرائم الاحتلال تتضاعف، ووقت ايقافها يقترب، وآمالنا بالنصر تتعاظم، وانا لمنتظرون.
***
لا حديث حاليا داخل الكيان سوى عن الحرب وعواقبها، ونتائجها الاقتصادية داخليا، وتأثيرها على العلاقات الإسرائيلية الأميركية. ومن ضمن هذه القضايا، تطفو على السطح مسألتا صفقة التبادل والعملية العسكرية الإسرائيلية “المرتقبة” في رفح.
ويصاب أي متابع للإعلام الإسرائيلي بالدهشة مع تبّدي مقدار التخبط في القرارات وطبيعة الألاعيب الدائرة من جانب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وغيره للالتفاف على التناقضات القائمة داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، وحتى داخل كابينت الحرب وبين القيادتين السياسية والعسكرية.
وهكذا، تناولت غالبية وسائل الإعلام خبر المشادة الكلامية داخل كابينت الحرب بين نتنياهو وبين رئيس الأركان هرتسي هاليفي حول خطط احتلال رفح. وأشار موقع “والا” إلى أن نتنياهو دخل في مواجهة مع هاليفي بسبب تسريح قوات احتياطية فيما الحكومة تطالب بتسريع الخطط لعملية برية في رفح. وكان جواب هاليفي أن تسريح القوات جاء بناء على خطة أقرتها الحكومة بكامل أعضائها.
وفي التفاصيل، طالب نتنياهو قيادة الجيش بالإسراع في إنجاز العملية البرية في المعسكرات الوسطى وفي رفح في أقرب وقت. ورد هاليفي موضحا أن العملية العسكرية المطلوبة لا يمكن اتمامها من دون إجلاء سكان تلك المناطق من جهة، ومن دون تجنيد قوات الاحتياط التي تم تسريحها من جهة ثانية.
وهنا، أبدى نتنياهو تفاجأه من رد هاليفي متسائلا عن سبب تسريح القوات الاحتياطية، فرد هاليفي بأن تسريح القوات تم بناء على خطط أقرتها الحكومة. فطلب نتنياهو من رئيس الأركان العودة إلى خطة تجنيد القوات الاحتياطية من جديد لإتمام المهمة. فرد رئيس الأركان بأن تجنيد قوات الاحتياط من جديد يستغرق وقتا خصوصا، وأن هذه القوات كانت مجندة لوقت طويل، وأنهكت في المعارك.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى أن جوهر الخلاف هو إصرار نتنياهو على أن يُظهر للجمهور الإسرائيلي أنه يطالب الجيش ويصر على تحقيق الانتصار الكامل، لكن المشكلة في الجيش.
وهكذا، صار يصدر الأوامر للجيش عبر وسائل الإعلام مثل حديثه عن أنه أصدر تعليماته للجيش بإعداد الخطط بسرعة لتدمير كتائب “حماس” الأربعة الباقية في رفح. ولكن الجيش، من خلال رئيس الأركان، مازال يصر على أنه ينبغي توفير شروط محددة قبل البدء بأي عملية سواء في المعسكرات الوسطى أو في رفح.
ويشدد هاليفي مثلا على أن أي عملية عسكرية في رفح تستدعي تفاهمات مسبقة مع مصر، لاسيما قبل تحرّك لإعادة احتلال محور فيلادلفي. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر هاليفي أن الجيش لا يمكنه الشروع بعملية برية في رفح من دون إخلاء المدينة ومحيطها من السكان.
وبحسب تقرير في “القناة 13″، قال نتنياهو لهاليفي إنه “إذا قمت بتسريح القوات الاحتياطية، فعليك العودة لتجنيدهم مرة أخرى من أجل العملية”. فأجاب هاليفي قائلا “سنعرف كيفية التعامل مع أي مهمة يتم تكليفنا بها – ولكن هناك جوانب سياسية يجب التعامل معها قبل العمل الميداني، والتي لا يمكن التعامل معها إلا على المستوى السياسي. نحن بحاجة لأن نقرر ما يجب إنجازه في هذه المهمة. فهناك مليون وثلاثمئة ألف من سكان غزة في رفح، كما ينبغي التنسيق السياسي مع المصريين”.
وكانت تقارير إخبارية عدّة قد أشارت إلى أن الإدارة الأميركية، التي يزداد ضيقها من نتنياهو وحربه على غزة، مستاءة من كلامه عن القيام بعملية عسكرية في رفح خلال اسبوعين.
ويتحدث نتنياهو في الغرف المغلقة عن وجوب تفكيك كتائب حماس في رفح قبل حلول شهر رمضان، معتبرا أن هامش الوقت المتاح لإسرائيل بات ضيقا، ما يستدعي تسريع الخطوات “لإغلاق هذا الملف”.
وبرغم ما يبدو من خلاف بين نتنياهو وبين هاليفي، إلا أن الجيش ملزم، في نهاية المطاف، لتكييف عمله مع مطالب القيادة السياسية. كما أن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية معني بإظهار أن نتنياهو يسير وفق خط واضح، وأنه يحاول التأكد من جهوزية خطط الجيش لهزيمة “حماس” وتحقيق “أهداف الحرب”.
ويرفض الديوان الأحاديث عن خلافات ويقول إن الحوارات بين نتنياهو وهاليفي دارت بروح إيجابية داخل كابينت الحرب. وقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن نتنياهو يتوقع أن ينفذ هاليفي خطة الحكومة قبل أن تتخذ اسرائيل قرارات سياسية تؤثر على العملية العسكرية.
ولا بد في هذا السياق الأخذ في عين الاعتبار مهلة الشهر التي حددتها محكمة العدل الدولية للتحقّق من اتهامات الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى انطلاق جلسات المحكمة المتوقعة في 19 من شباط الجاري لمناقشة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. وتشكل هذه الجلسات عوامل ضغط معنوية وسياسية وإعلامية لا يمكن للعدو تجاهلها.
وبات معروفا أن جلسات كل من كابينت الحرب والمجلس الوزاري المصغر كلّها تشهد مناقشات عاصفة حول كل صغيرة وكبيرة، الأمر الذي يدفع نتنياهو لتجنب مناقشة القضايا الأساسية في اجتماعات مجلس الوزراء كي لا يضطر لاتخاذ قرارات يمكن أن تقود إلى تفككه. ومن بين هذه القرارات تلك المتعلقة بصفقة الأسرى.
وفي جلسة المجلس الوزاري المصغر الأخيرة، قال وزير الحرب يؤآف غالانت إن “الضغط العسكري سيحقق نتائج، والسنوار يتصرف مثل إرهابي مطلوب”. وكان وزير الأمن القومي بن غفير قد تساءل غاضبا: “لماذا لا تتم ممارسة المزيد من الضغوط؟ يجب وقف تدفق المساعدات الإنسانية”.
وانضم إليهما الوزير إيلي كوهين قائلا “نحن بحاجة إلى إظهار الجدية في الضغط العسكري، وهذا ما سيجلب السنوار إلى الصفقة”. أما الوزيرة ميري ريجيف فاعتبرت أن “هذا هو الوقت المناسب لزيادة الضغوط العسكرية، لجعل (السنوار) يركض خلفنا، وليس أن نركض خلفه. هذه هي فرصتنا. مزيد من الضغط قبل شهر رمضان مباشرة. وكما تلقينا الضربة خلال عيد سمحات توراة (7 اكتوبر)، فمن المؤكد أنه في رمضان لا ينبغي لنا أن نكون أكثر لطفا ورحمة معهم”.
وانتقد وزير العدل ياريف ليفين الخطوط العريضة للصفقة قائلا “نحن بحاجة إلى إعادة جميع المختطفين، وليس بعضهم فقط. إن الخطة المتسارعة ليست في صالحنا. نحن لسنا في وضع جيد. يجب ألا نتفاوض من أجل الخروج من الاتفاق”. أمّا نتنياهو فشدّد على أن “مفاتيح التبادل الإنسانية الأولى لم تتغير بالنسبة لإسرائيل. سيكون من 1 إلى 3.”
وفي سياق الحديث عن مفاوضات التبادل، وبرغم محاولات إسرائيل الإيحاء بأنها متمنعة عن المشاركة في اجتماعات القاهرة، وسعيها لفرض شروط لمشاركتها، إلا أن مشاركتها مؤكدة في الاجتماع الرباعي مع كل مصر والولايات المتحدة وقطر لتحريك مفاوضات تبادل الأسرى.
وكانت إسرائيل قد طالبت بداية بالضغط على حماس للتخلي عن مطالبها الرئيسية، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء “الثقيلين”. والطموح الإسرائيلي هو الإبقاء على نسبة 3 أسرى مقابل كل مخطوف.
وبحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت”، فإنه على الرغم من أن إسرائيل رفضت رد حماس وقالت إنه “لا يشكّل بداية”، إلا أن هناك مفاوضات سرية ومكثفة تجري خلف الكواليس، حيث يحاول الوسطاء تعديل اقتراح حماس – ووضع الخطوط العريضة التي ستكون نقطة انطلاق للمفاوضات. وتجري المفاوضات للتوصل إلى اتفاق بوساطة كل من رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل.
وفي الوقت الحالي، هناك فجوة ضخمة بين رد حماس وبين ما تحدده إسرائيل كنقطة انطلاق محتملة للمفاوضات. ومن المقرر أن يصل رئيس وكالة المخابرات المركزية إلى القاهرة يوم الثلاثاء، بهدف تضييق الفجوات، على أن يتوجه إلى مصر وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد بارنيع. وبحسب “يديعوت” تؤكد إسرائيل أنه إذا لم يتم تضييق الفجوات، فإنها لن تشارك في طاولة المفاوضات، وهو موقف أكده مجلس إدارة الحرب مساء الخميس بعد مناقشة متعمقة لرد حماس، وشهد إجماعا كاملا على رفض رد حماس وعلى أنه لن يكون من الصواب الدخول في مفاوضات في القاهرة قبل تضييق الفجوات.
وتصر إسرائيل على أن يتم في المرحلة الأولى من الصفقة، وهي المرحلة الإنسانية، إطلاق سراح 35 مختطفا من النساء وكبار السن والمرضى، مع الاحتفاظ بمعايير الصفقة السابقة: ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل كل مختطف، من دون الإفراج عن أي المعتقلين من “ذوي القيمة المعنوية العالية”.
كما تطالب إسرائيل بقيام حماس بإلغاء جميع المطالب التي لا علاقة لها بقضية المختطفين، بما في ذلك المطالبة بتحسين ظروف اعتقال الأسرى، ومنع مداهمة اليهود إلى الحرم القدسي.
في غضون ذلك، تم الاتفاق في مجلس الوزراء الحربي على أنه في حال حدوث انفراج في المحادثات مع الوسطاء، مما يسمح بفتح المفاوضات، فإنه يتعين على المجلس السياسي الأمني إعطاء الموافقة قبل مغادرة أي وفد إسرائيلي إلى القاهرة.
وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل اتصالاتها الهادئة مع الأميركيين ومع مصر، لضمان تنفيذ العملية العسكرية المخطط لها في رفح بالتنسيق مع المصريين، ولضمان إجلاء المدنيين عن “مناطق الخطر” قبل بدء العملية التي من المفترض أن يصادق عليها مجلس الوزراء الذي يقر الانتقال من مرحلة إلى أخرى في الحرب.
وفي جلسة مجلس الوزراء مساء الخميس، قال نتنياهو إنه أمر بتوسيع الأنشطة في رفح، حيث يعمل الجيش الإسرائيلي بالفعل.
وقال ديوان رئيس الوزراء يوم الجمعة: “من المستحيل تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس وبقاء أربع كتائب تابعة للحركة في رفح. ومن ناحية أخرى، من الواضح أن عملية قوية في رفح تتطلب إجلاء السكان المدنيين من مناطق القتال. ولهذا السبب أصدر رئيس الوزراء تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بتقديم خطة إلى مجلس الوزراء، سواء لإخلاء السكان أو لتفكيك هذه الكتائب”.