غزة ـ حلمي موسى
تفتح عينيك وتتحسن انفاسك وجسدك المتكور على الأرض فتعرف أنك لا زلت على قيد الحياة. ازيز الطائرات ودوي القذائف من فوقك وارتعاد الارض من تحتك بفعل القصف ينسيك احيانا اسمك. ولكن ما يسعدك أنك تعرف أنك لا تزال على قيد الحياة وان نهارا جديدا في عمرك سترى أثاره عليك.
وفي أبرز ما جاء في التعليقات المنشورة في إعلام العدو حول زيارة بايدن والعملية البرية لاجتياح غزة وأهداف الحرب التي تحددها حكومة الحرب والجيش الإسرائيلي، كتب المراسل العسكري لصحيفة “معاريف” تال ليف رام تحت عنوان “نحو المرحلة المقبلة في الحرب” أن توقيت الخروج في عملية برية لا يزال غير واضح، سواء بسبب ضباب المعركة أو بسبب الرغبة في مفاجأة العدو. وان الرسالة التي تصدر عن الجيش في الأيام الأخيرة هي أنه خلافا للعمليات السابقة في غزة، في هذه الحرب نحن ملزمون بتحقيق النصر.
ولاحظ ليف رام أنه بعد أسبوعين على بدء الحرب، وانتهاء زيارة بايدن حانت المرحلة المقبلة للعملية البرية في غزة. فالأمريكيون يفهمون جيدا أن تحديد أهداف الحرب، حتى وإن لم تكن محددة هكذا فعلا، تعني اسقاط حكم حماس، أي عدة شهور على الأقل من القتال مع تأثيرات ذلك على كل دول المنطقة. والدعم الأميركي كبير ولكنه ليس غير محدود، لذلك فإنهم يشددون على القضايا الانسانية تجاه السكان المدنيين. اهزموا حماس، لكن من دون إحداث كارثة جماعية في غزة. وبشدة الحرب المتوقعة في غزة من المتوقع أن يشكل هذا تحديا معقدا مام الجيش الإسرائيلي.
وفي نظر ليف رام فإن من غير المتوقع أن يجبر الأمريكيون إسرائيل على وقف للنار إنساني كما حدث في الجرف الصامد سنة 2014. لكنهم ينتظرون بموازاة الخطة العملياتية، أن يعمل الجيش بطريقة لا تقود إلى كارثة انسانية في غزة وأن يأخذ ذلك في خططه العملياتية. وفي واقع غزة، هذه مهمة معقدة لكن الأمريكيون لن يتنازلوا عنها في الخطوط التي وضعوها لإسرائيل.
وتحدث كيف أقنعت إسرائيل أمريكا بأن لا ضلع لها في مجزرة المستشفى المعمداني لكنه أضاف أن هذه المجزرة “شكلت إطلالة على حرب الوعي المتوقعة لنا في الأشهر القريبة. فحماس كجزء من خطتها القتالية، ستستخدم هذه الأحداث في محاولة لإشعال كل المنطقة. ولإزالة كل شك، فإنه حتى لو ضربت إسرائيل مستشفى، فإنها لن توقف الحرب ضد حماس. فعندما تستخدم حماس والمنظمات الأخرى السكان المدنيين كدرع بشري ويمنعون السكان من الانتقال إلى مناطق آمنة، فسوف تحدث إصابات في صفوف المدنيين وكذلك أخطاء توقع قتلى كثر. هذا جزء من طبيعة الحرب، وبالتأكيد حينما يتعلق الأمر بمنطقة مكتظة ومعقدة لقتال كما في قطاع غزة.
وأضاف ليف رام أنه في كل المداولات مع الامريكيين، يفهمون ذلك ولكنهم يطالبون إسرائيل بأن لا تفقد عقلها. هذا هو الخط الذي سعى رئيس الأركان لتأكيده في الفيديو الذي نشره أثناء زيارته لسرب فرسان الذنب المزدوج، عندما تحدث عن تصفية القيادي في حماس أيمن نوفل، المسئول عن المجزرة في باري والحفل في رعيم.
قال رئيس الأركان: “نحن نعمل وفق القواعد. كلنا غاضبون. ولكننا نعمل من رؤوسنا. نحارب من رؤوسنا وستبقى آدميين، خلافا للطرف الثاني الذي يحارب كحيوانات. وأنا أقول لكم، المعركة لن تكون قصيرة وإذا اضطررنا لتوسيعها سنفعل وسيدخل عدو آخر إلى الصورة. هذه هي المهمة، الدفاع عن البيت. وحتى لو تطلب فترة طويلة، سندافع عن البيت. كل الجيش الإسرائيلي يعمل من أجل أن ننتصر ونحن سنحقق ذلك”.
وأشار ليف رام إلى أنه مثل الأمريكيين أيضا القيادة الإسرائيلية تسعى قدر الإمكان لتجنب حرب في الجبهة الشمالية. وحماية الظهر الأمريكية في الحلبات الأخرى موجهة أساسا نحو هذه النقطة: التوضيح لإيران وحزب الله ولبنان بأنه خلافا للحرب في أوروبا، في هذه الحالة نحن عازمون على استخدام القوة ولن نتردد في ذلك. فالنتائج القاسية والمس الكبير بصورة الجيش الاسرائيلي وقوته في ضوء الاخفاقات في الجنوب تستدعي أولا وقبل كل شيء إزالة الذراع الإيراني في غزة، تدمير قدراته العسكرية والسلطوية. وفي هذه النقطة ثمة اتفاق كامل حول أن أيران وحزب الله يسعيان عبر تصعيد الحدود الشمالية إلى منع هزيمة حماس في غزة.
وحسب ليف فإن حزب الله يصعد يوميا وبشكل تدريجي مستوى عملياته ضد إسرائيل، لكنه يتجنب في هذه المرحلة نزع القفازات عبر إطلاق مكثف للصواريخ على الشمال. فالعدو أيضا يفهم أنه إذا انتقل ميدان الحرب المركزية شمالا، فإنه سيلحق كارثة بلبنان ويضر جدا بقدرات حزب الله العسكرية.
وخلص إلى أن منطقي الافتراض أن حزب الله يواجه معضلة في ادخال نفسه للحرب ضد إسرائيل “ولكن كما سبق وتعلمنا، ينبغي الحذر الشديد في تقدير نوايا العدو، خصوصا حزب الله. وحماس وإيران ومقابل خطر حزب الله تنتشر عدة فرق للجيش الإسرائيلي والأمريكيون يلمحون بجاهزيتهم لاستخدم القوة العسكرية. وبموجب نظرية الحسم في غزة، تسعى إسرائيل لقطع ذراع الاخطبوط الجنوبي لإيران. وموعد العملية البرية ليس واضحا بعد سواء بسبب ضباب المعركة أو بسبب الرغبة في إحداث مباغتة. ورسالة الجيش لا ساعة رمل تفرغ ولا مساس بالشرعية الدولية سيوقف إسرائيل عن تحقيق غاية الحرب. في الطريق هناك كثير من الألغام المركزية بينها التصعيد مع لبنان وصولا إلى حرب، وأحداثاً مثل المستشفى المعمداني أو مصاعب في العملية البرية.
ويشيع الإعلام الإسرائيلي منذ أمس أجواء بأن هناك تململا في صفوف قيادات في الجيش من تأخر العملية البرية وكأنهم يستميتون على الدخول برا إلى غزة. قبل قليل الناطق بلسان الجيش زعم أنه في هذه الأثناء نفذ الجيش عدة غارات برية بقصد جمع معلومات عن المخطوفين.
وحسب المراسل العسكري لموقع “والا” أمير بوحبوط فإن المديرين العامين لشركتي الصناعات الجوية و”البيت” العسكرية قررا وقف تسليم شحنات التصدير المقررة إلى الجيوش الأجنبية وتحويل كل شحنات الأسلحة هذه للجيش جراء الإدراك بأن المؤسسة العسكرية بحاجة إلى مخزون كبير يكفي لفترة طويلة كجزء من الاستعداد لخطوة برية واسعة في قطاع غزة وإمكانية الحرب في جبهتين.
أما تحت عنوان “الجيش بحاجة إلى وقت” فقد كتب يوسي يهوشع في يديعوت، أن إسرائيل نالت ما لم يكن تحلم به من اميركا في زيارة الرئيس بايدن، وبذلك تنتقل الكرة للجيش الإسرائيلي لتنفيذ المهمة. وفي نظره الجيش ليس بحاجة إذا ذخائر واعتدة بقدر ما يحتاج إلى وقت. وينقل عن مصادر في مقر وزارة الحرب قولها: “من يريد نتيجة عليه التسلح بالصبر”. وفي نظر الجيش الحرب الحالية ليست جولة أخرى من جولات القتال، هذه حرب حقيقية.
وبحسب يهوشع فإن ما يجري الحديث عنه يختلف جوهريا وهو يرمي إلى إحداث تغيير أساسي للوضع بتدمير قدرات نظامية وعسكرية وسياسية. وحسب المخططين فإن ذلك لا يعني تماما أن تغدو غزة خالية “من المخربين” وإنما توجيه ضربة شديدة يتردد صداها في الشرق الأوسط ويعيد لإسرائيل قدرتها الردعية التي خسرتها في 7 أكتوبر. ويتحدث المخططون عن أن هناك ثمن باهظ ومشاكل ستحدث ولكن يجب تحقيق هذا الهدف. ويشددون على “وجوب إعداد الجمهور الإسرائيلي لجهد طويل. سوف ندخل حين يكون الوضع ملائما من ناحية عملياتية. ليس جيدا أن يجلسوا قبالتنا ومعهم ساعة توقيت”.
ويريد الجيش ليس فقط أن يتحلى الجمهور بالصبر وإنما أيضا المستويات الميدانية التي تدق الأرض بأرجلها. وكتب أن قيادة الجيش واعية لذلك وراضية وهي بالضبط الروح التي تنتظرها من جياد مندفعة. فالصبر الذي تطلبه ليس ترددا بل وسيلة لخلق دخول أكثر نجاعة. ولاحظ أن جانبا من الاستعجال يكمن في تجنيد 350 ألف من قوات الاحتياط وهو رقم غير مسبوق كما أن الضرر على الاقتصاد كبير جدا. وأشار إلى أن “إسرائيل تعيش نوعا من الإغلاق. وقريبا كلما ازداد العبء الاقتصادي سيزداد الضغط على الجيش لإطلاق العنان. والوضع معقد في ظل تحرشات حزب الله في الشمال حيث يحتفظ الجيش بقوام عسكري كبير جدا هناك كي يمنع المباغتة. وهذا سبب إسناد الأمريكيين لإسرائيل: لتزويدها بطول نفس لإدارة جبهتين ما قد يردع حزب الله عن الدخول في حرب ظروفها أسوأ من ناحيته”.
ولاجظ يهوشع أن أحد أسباب الفجوة بين الجيش وتوقعات الجمهور بالنسبة للعملية البرية يكمن في أن الجيش لا يرى في استمرار القصف الجوي “مزيدا من الأمر ذاته”. ويقولون في الجيش أنه في 11 يوم القتال الأولى ضربت أهداف أكثر مما في الجرف الصامد وحارس الأسوار معا. وأن الصحيح هو وجوب مواصلة القصف الجوي لسحق البنى التحتية لحماس بتسهيل الدخول البري. وأشار إلى أن المستويات الميدانية طالبت بقوة الحصول على اسناد علني في حالة وقوع أخطاء تمس بالقانون الدولي.
ولكن نتانئيل شلوموبيتس في هآرتس لاحظ أن أمريكا لم تترك الحبل على الغارب لحكومة إسرائيل وأن احتضانها لها جزء من سياسة تقييدها بحدود. واعتبر أن السياسة الأمريكية تسير على حبل دقيق وأنه ” الى جانب الاقوال العذبة وحاملات الطائرات المرعبة ورزمة المساعدات الامنية الآخذة في التبلور في واشنطن فان بايدن قلق من الحكومة الاسرائيلية.
والحرب واسعة النطاق في الشرق الاوسط هي بين أكبر تخوفات الرئيس الامريكي، الذي فضل استثمار وقته في اوروبا وشرق آسيا. روسيا والصين على رأس قائمة التهديدات للإدارة في واشنطن. مع ذلك، هو ايضا يدرك جيدا أن أي تصعيد في اسرائيل سيستدعي استثمار امريكي أكبر. هذا يمكن أن يأتي على حساب المساعدات لأوكرانيا، خاصة عندما بدأ الحزب الجمهوري يشكك في هذه الحاجة”. وأشار إلى أن بايدن بزيارته ومواقفه دعم إسرائيل لكنه أوصل رسالة مفادها بأن ” اسرائيل ليست مطلقة الحرية في العمل كما تشاء. وتحديدا ليس في ظل هذه الحكومة.”
وأضاف نتانئيل شلوموبيتس أن بايدن مثلما فعل في أوكراينا يعمل هذه المرة على تجنيد قادة الدول الديمقراطية ويدعوهم للتصرف مثله وزيارة إسرائيل. ولاحظ أن الغاء زيارة بايدن للأردن وعدم لقاء قادة السعودية ومصر بعد ضربة المستشفى الأهلي يظهر أن حتى زعماء العالم الحر يتعرضون للضغوط خارجيا وداخليا. وأن “حلفاء الولايات المتحدة مثل ملايين الامريكيين الذين صوتوا له، شاهدوا الصور القاسية من غزة وهم ينسبون لإسرائيل التهمة الرئيسية بهذا الوضع. وهم ايضا يهتمون بالتذكير بأن نار الجيش الاسرائيلي هي بدرجة معينة من انتاج امريكي. اسرائيل، مثلما في عملية حارس الاسوار، ما زال يفصلها هجوم فاشل واحد عن تغيير الموقف في البيت الابيض”.
من جانبه رأى كبير المعلقين في “يديعوت” ناحوم بارنيع أن قصف المستشفى المعمداني (الذي ينسبه للجهاد الإسلامي) أخرج الجماهير العربية إلى الشوارع وأن الملك عبد الله وأبو مازن خافا على حكمهما وفهما ن اللقاء مع بايدن بعد ساعات من اعترافه بأنه صهيوني ويقف إلى يمين إسرائيل حيث تذهب، سيوجه غضب المتظاهرين إليهما. كان أبو مازن أول من أفشل بايدن. بعده سار كل من السيسي وعبد الله. وأشار إلى أن كل هؤلاء تعلموا من الأمير محمد بن سلمان أنه يمكن إهانة رئيس أميركا والبقاء على قيد الحياة. واعتبر بارنيع أن زيارة بايدن كان يفترض أن تجسد الدور الامريكي المتجدد في الشرق الأوسط وأن تنصبه كزعيم للمعسكر المؤيد لأمريكا والمعادي لإيران وللإرهاب، لكن ذلك انتهى بموقف من طرف واحد.
ورغم أن بايدن صديق حقيقي لإسرائيل إلا أن قواعد اللعب، وفق بارنيع، كانت على هذا النحو: “إسرائيل وأميركا هما حليفتان، تقيمان تعاونا عسكريا وتنسيقا سياسيا. مع ذلك، إسرائيل لا تشرك الإدارة الامريكية في خططها العسكرية. نعم تبلغها، نعم تراعيها، لكنها لا تطلب الاذن منها. هذا القيد منح رؤساء حكومتنا الحرية لإعطاء أمر بشن حملات عسكرية وفقا لمصالح إسرائيل، ومنح الرؤساء الأمريكيين إمكانية القول ان إسرائيل لم تتشاور معنا وبالتالي لسنا مسؤولين. لهذه القواعد توجد جوانب قانونية مركبة، في واجبات تبليغ الرئيس للكونغرس.”
و”لكن نتنياهو، فبعد أن ضاقت الأمور عليه، تصرف بشكل مختلف. ادخل الأمريكيين الى عملية اتخاذ القرارات في الكابينت وفي كابينت الطوارئ. هذا يعني أن بايدن سيعتبر مسؤولا عن كل ما تفعله إسرائيل في غزة. هذا يلزمه ويلزمنا. مجال النفي انتهى. لذلك ليس غريبا أن حكاما عرب متعلق وجودهم بأميركا يخافون من تواجده”.
كذلك، حاول المعلق العسكري الشهير لموقع يديعوت، رون بن يشاي رسم الخطوط العريضة للخطة الإسرائيلية للتعامل مع القطاع بعد زيارة بايدن. وكتب أن تغيير الوضع من أساسه وإيجاد ترتيب مستقر للمديين المتوسط والقريب للمسألة الغزية بعد الحرب هو ما يتم التطلع إليه خصوصا في ظل عدم وجود وصفة لتسوية بعيدة المدى أو حل نهائي للصراع. وأشار إلى أنه وفق ما تراكم لديه من معلومات يمكن رسم الخطوط العامة للخطة الكبرى التي توجه المؤسسة الأمنية، وبدرجة ما أيضا جهات العون الامريكي. وهذه الخطة تستند إلى خمس فرضيات أساسية:
- أولا أن “جيوش الإرهاب التي أقامتها حماس والجهاد الإسلامي على بعد مئات الأمتار من مستوطنات شمال النقب و70 كيلومترا من تل أبيب تشكل خطرا يعرض للخطر الأمن المادي لمواطني إسرائيل، وشعورهم بالأمن وقدرتهم على إدارة حياة طبيعية واقتصاد عادي. وقد تجسد هذا الخطر في 7 اكتوبر بعدما هاجم آلاف المسلحين الطافحين بالحافز والمدربين والمجهزين جيدا وتسللوا إلى إسرائيل، وكذلك الرعاع الغزي الذي جاء في أعقابهم. دولة إسرائيل ومواطنيها لا يمكنهم ولا يريدون الحياة بعد الآن بجوار هذا الخطر، الذي ترعاه إيران وتساعده في تركيم قدرات فتاكة، لذلك فإن هذا الخطر قد يغدو أشد. وإسرائيل بحاجة لأن تستعيد لنفسها على وجه السرعة ثلاث مقومات هامة للأمن القومي: الردع الاستراتيجي تجاه دول المنطقة الذي تقوض جدا يوم السبت المشئوم، والأمن المادي في الجنوب والشعور بالأمن والثقة بالقيادة السياسية وبأذرع الأمن”.
- يعيش في قطاع غزة أكثر من 2 مليون فلسطيني أغلبهم يودون العيش بشكل طبيعي مع امن مادي وشعور بالأمان. وهؤلاء يريدون أن يعتاشوا وأن ينالوا قدرا أساسيا ولكن أيضا كافيا من حرية الحركة والتمتع بالخدمات المدنية (صحة وتعليم، مياه، كهرباء ومجاري عامة). وهم لا ينالون الحد الأدنى بسبب أن مالك السيادة في غزة، حماس، هو حاكم مزدوج الوجهة: ذراعه المدنية تسعى لخدمة الناس، لكنها مضطرة للعمل تحت إمرة الذراع العسكري وبموازاته، حيث أن همها المركزي هي المقاومة التي تدير حربا إسلامية مقدسة ضد الدولة اليهودية. والعمل الحربي للذراع العسكري يقود مرة بعد أخرى سكان القطاع نحو أزمات اقتصادية وانسانية شديدة، وجهود إعادة بناء ما دمر وهكذا دواليك.
- من هنا فإن من يهدد إسرائيل وقدرة الغزيين على الحياة الطبيعية هي حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات إرهابية أخرى في القطاع. لذلك فإن الشرط الضروري لتغيير الوضع هو إزاحة حكم حماس وتدمير قدراته العسكرية والتنظيمية الأخرى من أساسها، ولا يمكن تدمير الدافع الجهادي لدى التنظيمات، لكن بالوسع منعها من الانتظام في أطر كبيرة يمكنها تنفيذ عمليات ارهابية والقتل على نطاق استراتيجي). ولكن هذا الشرط غير كاف. ينبغي ضمان أن حماس والمنظمات الأخرى لا يمكنهم إعادة ترميم قدراتهم العسكرية والسلطوية أو إنشاء بنى تحتية جديدة تحت غطاء أو بأشكال جديدة.
- الأبعاد السياسية والاقليمية: هناك احتمال معقول بأن حزب الله وربما إيران أيضا وجهات أخرى في المحور الشيعي الراديكالي سينضمون للحرب ويفتحون ضدنا جبهة أخرى في الشمال وربما أيضا في الشمال الشرقي. كذلك فإن الأزمة الغزية تثبت مرة تلو أخرى أن إسرائيل بحاجة إلى اسناد سياسي (مشروعية)، لوجستي، إعلامي بل وحتى اسناد عملياتي من جانب الولايات المتحدة (اعتراض صواريخ). وهذه ظاهرة لن تغيب وإنما ستكبر على الأقل طالما أن إيران تدير معركة متواصلة هدفها إزالة إسرائيل عن الخريطة. لذلك يحسن بنا أن نقر بهذا الواقع ونساعد الامريكيين في إعانتنا من دون أن نفقد حرية القرار والعمل الأمني والسياسي المستقل. كذلك واضح أن إسرائيل لا ترغب في خسارة اتفاقيات أبراهام واحتمالات التطبيع مع السعودية.
- ينبغي الإقرار بواقع أنه حتى الآن لا توجد جهة في العالم، بما في ذلك أمريكا، تملك وصفة قابلة للتنفيذ لتسوية مستقرة طويلة الأمد للصراع النشط على حدود غزة، أو حلا للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني عموما. وشعار “حل الدولتين” في هذه المرحلة ليس أكثر من شعار ولا يرق إلى خطة سياسية قابلة للتنفيذ في المستقبل المنظور. كما ليست هناك وسيلة للقضاء على أن تغييب الإسلام الأصولي الدموي الطامح لإقامة إمارة عالمية على أساس إمارات محلية تقوم على أنقاض “الدول الكافرة”، بما فيهن الدولة اليهودية. والإخوان المسلمون هم أحد أذرع هذا التيار، بما فيه حماس والجهاد الإسلامي.
وأضاف بن يشاي في تحليله لمعطيات السياسة والحرب التي توجه صناع القرار والتي ستستخلص منها خطة العمل للدولة والجيش. رأى أن هذه الخطة تحتاج للتنفيذ على مراحل: الأولى هي القتال الدائر حاليا ونحن في بدايته، والأخيرة هي تجسيد تسويات لمدى متوسط يسمح بإعادة الجيش الإسرائيلي إلى قواعده. وهذه هي خمسة أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل.
أ. عملية على شاكلة السور الواقي: هجوم يتضمن احتلال لشمال القطاع لإحراز سيطرة عسكرية ميدانية تتيح جمع معلومات استخبارية تفصيلية وتفعيلها الفوري. ولذلك من أجل إيقاف الإطلاقات نحو الداخل ومن أجل “قطع رأس” قيادة وتدمير قدراتها العسكرية والسلطوية حماس والجهاد الإسلامي. وهذا هدف القصف الجوي الدائر حاليا. فالسيطرة المادية في كل شمال غزة حتى وادي غزة ضرورية للمس بالمقاتلين وبالبنية العسكرية وأيضا من هناك المس بالمركز السلطوي العملي والرمزي لحكم حماس الذي فقد “عاصمته”.
ب. في جنوب القطاع ستعمل إسرائيل لتحقيق الأهداف ذاتها بأساليب اخرى على أساس معلومات استخبارية دقيقة باتت موجودة لدى الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية أو أية معلومات استخبارية يتم الحصول عليها أثناء القتال.
ت. في الشمال يواصل الجيش الإسرائيلي مقارعته لحزب الله وللفلسطينيين العاملين من الأراضي اللبنانية وأيضا لميليشيات مسلحة من سوريا ومن العراق. وكل ذلك في مسعى لإبقاء الصدام دون مستوى الحرب وحصرها في مناطق الحدود، على الأقل مدى أيام القتال. والجيش سيواصل الحفاظ على جاهزية لعمل حربي شديد وواسع النطق في لبنان، بما في ذلك شن عملية برية، إذا حزب الله بأوامر إيرانية بدأ حربا شاملة. بطبيعة الحال، إسرائيل تفضل التركيز وضخ خيرة قواتها ومواردها إلى غزة من أجل تحقيق انجازات سريعة. ولكن إذا حزب الله والإيرانيين قرروا التصعيد لحرب شاملة، فإن لدى الجيش الإسرائيلي قدرة إدارة حرب فعالة على نطاق واسع في جبهتين. وهذا سيقود إلى إطالة زمن الحرب أكثر من المرغوب فيه.
ث. وبموازاة القتال في شمال وجنوب القطاع ستعمل إسرائيل سوية مع أمريكا والأمم المتحدة في المجال الإنساني من أجل المحافظة على المشروعية والدعم السياسي واللوجستي الذي توفره أمريكا وحلفاؤها للعملية العسكرية. وهذا يشمل إقامة ممرات إنسانية وملاذات آمنة تخدم الفلسطينيين غير الضالعين في القتال الذين هجروا بيوتهم في غزة بناء على الاوامر الإسرائيلية. وسوف يزداد تدفق هؤلاء مع بدء القتال. وستوفر جهات دولية ودول عربية لهذه المناطق، تحت إشراف ومراقبة الجيش الإسرائيلي والأمم المتحدة، الحاجيات الضرورية ومنها الماء والغذاء والأدوية والخدمات الحيوية مثل الكهرباء (مولدات) ومساكن مؤقتة (خيام والشتاء يقترب).
ج. وبحسب النتائج المتحققة ميدانيا في أسابيع القتال الأولى، ينبغي لإسرائيل أن تتوصل سوية مع الولايات المتحدة إلى قرارات بشأن “خطة الخروج” المرغوبة. وأن تحرك الخطوات السياسية الضرورية لرعايتها وتشغيلها. وينبغي لخطة الخروج من القطاع وإجراءات التسوية على الأرض بعد تركها أن تضمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرغوبة لإسرائيل وأمريكا في المدى المتوسط (5 إلى 10 سنوات).
الأهداف الاستراتيجية الخمسة
لدولة إسرائيل خمسة أهداف استراتيجية هي معنية بتحقيقها في المدى المتوسط مع أنهاء القتال في الجبهة الغزية:
1. ينبغي أن يغدو قطاع غزة بأسره منزوع السلاح ومطلوب ترتيبات وآليات تضمن ذلك.
2. ينبغي للحكم في غزة أن يكون مهنيا ومدنيا، ليس أيديولوجيا دينيا ولا سياسي، والمصلحة والدافع الوحيد له هو الاهتمام برفاهية السكان الفلسطينيين. وسوف تنبع صلاحيات هذا الحكم من قاعدة مشروعية دولية واسعة وينبغي لها أن تتأسس على إدارة وموظفين مدنيين محليين وبشرط أن لا يكونوا نشطاء سبقين في الذراع العسكري لحماس أو التنظيمات الأخرى. وستستند آليات هذا الحكم، فضلا عن الشركطة المحليةن على قوة دولية لفرض القانون والنظام مع انتهاء الحرب. وستحصل غزة على ميناء بحري عميق يتم تشغيله تحت رقابة أمنية ويسمح أيضا بحرية الحركة والسياحة من قبرص وإليها.
3. ينبغي لإسرائيل أن تقيم على الحدود منظومة إنذار ودفاع مشتركة توفر الأمن لمواطنيها في حال عدم الوفاء بالشروط المرغوبة في القطاع، أو في حال انتهاكها. وتشمل الترتيبات الأمنية محيط أمني بعرض يتراوح بين كيلومتر واحد إلى ثلاثة كيلومترات، لا يسمح فيه لسكان القطاع بدخوله من دون إذن خاص. ومن يدخل إليه من دون إذن يعرض حياته للخطر.
4. الجيش لن يبقى في غزة فترة طويلة أكثر من المطلوب لتحقيق أهداف الحرب الفورية ويسمح بإقامة حكم بديل في القطاع. ومع ذلك فإنه يبقى للجيش والشاباك الحق بما يعرف بـ”المطاردة الساخنة” لإحباط عمليات ارهابية ونوايا حربية حتى بعد أن يعود إلى الأراضي الإسرائيلية.
5. اسرائيل تأخذ بالحسبان المصالح والاعتبارات الاستراتيجية العالمية لأمريكا والاعتبارات الداخلية، والمصالح الدينية والاستراتيجية لدول المنطقة الإسلامية التي لنا معها اتفاقيات سلام، تطبيع وعلاقات دبلوماسية.
وخلص بن يشاي إلى أن الجهات المختصة في إسرائيل قررت أن هدفها هو تغيير الوضع من أساسه في غزة وأن المؤسسة الأمنية تقر بالحاجة إلى تغيير جوهري في أنماط التفكير والعمل لدى المستويين السياسي والعسكري. وبالتأكيد فإنه مقارنة بجولات سابقة مع غزة، جرت وفق افتراض المستويين السياسي والعسكري أن حماس ستبقى في نهاية الحرب صاحب السيادة في غزة. تغيير نمط العمل ميدانيا مع تمديد مراحل القتال من أجل تحقيق النتائج الأفضل، وفقط الاستمرار على هذا النحو. وهذا يفسر، مثلا، طول مدة الضربات الجوية، البحرية والمدفعية استعدادا للدخول البري.
كما أن إدارة صنع القرار والعمل السياسي والعسكري ستختلف: فالقرار بشأن الاستمرار في كل مرحلة سيتخذ وفق نتائج المرحلة السابقة لها. والمرونة في التفكير والعمل إلى جانب الصبر واستخدام القوة ببطء وبعد دراسة وتعاون وثيق مع الأمريكيين هي مبادئ الحرب الجارية.