تسنى لي، من خلال عملي الصحافي في “السفير”، أن أحظى بلقاءين مع آية الله روح الله الخميني.
كان اللقاء الاول في منفاه الفرنسي، في ضاحية “نوفل لي شاتو”، شمالي باريس، منفاه الثاني بعد الكويت في اوائل كانون الثاني 1970 اثر “طرده” من النجف الاشرف في العراق، بضغوط شاهنشاهانية في كانون الاول 1970. أما اللقاء الثاني فكان في مدينة قم المقدسة، مدينة المرجعيات الدينية وطوابير المؤمنين والمؤمنات في شباط 1979… وكان الثلج يتساقط بغزارة و”فارس” وهو ابن غلوب باشا، يستحم عاريا بالماء المثلج وابو حنيك، كما اسماه الاردنيون ايام بدايات العهد الهاشمي (الاميرعبدالله، ابن الشريف حسين، مطلق الرصاصة الأولى ـ والاخيرة ـ في “الثورة العربية الكبرى” التي انتهت بتقسيم المشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا).
..وهكذا تسنى لي أن اشهد، بأم العين، السحر الخاص لهذا العجوز الآتي لقيادة واحدة من أهم ثورات التغيير في العالم (خلع الشاه رضا بهلوي والاسرة جميعاً، وإعلان قيام الجمهورية الاسلامية في ايران، وطرد السفير الاسرائيلي وأكثر من الف خبير اوفدتهم اسرائيل لتزرعهم في مختلف الوزارات والادارات مع تركيز على الزراعة والدفاع ليتمكن هؤلاء الجواسيس المتنكرين في ثياب الخبراء من معرفة ايران بنواحيها المختلفة ومؤسساتها واداراتها جميعاً..) ومن ثم تسليم السفارة الاسرائيلية في طهران ـ وهي بحجم حي كامل ـ إلى منظمة التحرير الفلسطينية لتكون سفارة فلسطين.. وكذلك محاصرة السفارة الاميركية وتغطية جدران مبناها بشعارات الثورة، وابرزها: (اميركا برا، برا..)
كذلك تسنى لي أن ألتقي معظم قادة “الحزب الاسلامي الجمهوري” بقيادة اية الله بهشتي ومجموعة من رجال الثورة الذين أودى بهم انفجار مدبر وهم مجتمعون في مركز قيادة الحزب…
كذلك أمكنني أن التقي الحسن بني صدر الذي كان قد اختير كأول رئيس لهذه الجمهورية الوليدة.. غير أن الامر لم يطل به في منصب الرئاسة فأقيل، وامكنه الخروج إلى المنفى الفرنسي وما يزال يعيش هناك.
كان الشيخ العجوز الآتي من المنفى، والمتحدر من منطقة “خمين” في ايران، والذي درس الفقه في النجف الاشرف، وعاصر العديد من الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية في البلاد العربية، (مصر ـ ثورة يوليو / تموز 1952، بقيادة جمال عبد الناصر، الانقلابات المتوالية في سوريا وصولاً إلى الوحدة بين مصر وسوريا، ثورة 14 تموز 1958 في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم ومشاركة عبد السلام عارف ـ انتصار ثورة الجزائر ـ 20 ايلول 1962، ثورة اليمن ضد الامام احمد ـ ايلول 1962، ثم الانقلاب الثاني في العراق بقيادة عبد السلام عارف 1963 ومشاركة حزب البعث، فثورة 1969 بقيادة حزب البعث والجنرال احمد حسن البكر ـ وصدام حسين ـ 1969.
تكاملت خريطة التغيير في هذا المشرق، وليس دائما إلى الافضل..
ثم توالت احداث الصراع: فهاجم عراق صدام حسين ايران الثورة الاسلامية بقيادة الامام روح الله الخميني.. وهي حرب استمرت ثماني سنوات من ايلول (سبتمبر)1980 وحتى اب (اغسطس) 1988 وانتهت بإعلان وقف إطلاق النار بوساطة جزائرية، ووصف الخميني الموقف بأنه “قد ارتضى بأن يتجرع كأس السم” لإنهاء الحرب التي عجز عن الانتصار فيها.
ولقد رحل الامام الخميني عن دنيانا في 3 حزيران (يونيو) 1989… لكن الثورة استمرت، وزاد نفوذ الجمهورية الاسلامية وتمدد شمالاً وشرقاً وغرباً وصولاً إلى سوريا ولبنان حيث تعاظمت قوة “حزب الله”، وتمكن من اجلاء الاحتلال الاسرائيلي عن الارض المحتلة في لبنان (17 ايار العام 2000).. ثم امكنه صد الحرب الاسرائيلية على لبنان والخروج منها منتصراً بفضل الدعم الشعبي الواسع والصمود العظيم (12 تموز ـ 14 آب 2006).
طبعاً كان لإيران دور فعال في توفير امكانات هذا النصر العظيم..
وبعد الحرب الاسرائيلية بات “حزب الله” قوة يحسب لها العدو الاسرائيلي ألف حساب، وكذلك راعيه الاميركي.
وها هي إيران الثورة تلعب الآن دوراً عالمياً بارزاً، وتواجه أعتى قوة امبريالية في العالم: الولايات المتحدة الاميركية بقيادة دونالد ترامب.