دخل عليّ في مكتبي كمجاهد مكلف بعملية استشهادية.
كان عابساً، متعجلاً، صارماً في اوامره للمصور.
قلت له: هل لديك وقت لنتعارف، قبل أن نبدأ الحوار.
قال باقتضاب: انا حمزة .. من المنار
سألت : والعائلة؟
قال: الحاج حسن..
قلت: يعني من عنا.. من حوش النبي؟
فوجئ قليلاً، فاكتفى بأن هز رأسه، ثم قال: هل نبدأ؟!
قلت: ولماذا انت متعجل؟ الا تريد أن نتعارف؟ هل تحاور من لا تعرفه؟ أن عائلتك من اكبر العائلات في بلدتي شمسطار..
لاح طيف ابتسامة على شفتيه، لكنه اخفاها بسرعة.
سألته: هل علموكم أن الضحك حرام؟
اتسعت ابتسامته، وعاد اليه وجه الفتى غض الاهاب.. ثم قال بنبرة اعتذار: أبداً، ولكنني استعد للذهاب، بعد ساعات، في مهمة جهادية..
سألت : إلى أين؟
قال بنبرة زهو: لأغطي تحرير القصير. انني اتعجل الذهاب لأكون إلى جانب رفاقي المجاهدين وهم يتقدمون لتحرير القصير من الكفار والضالين الذين احتلوها وشردوا أهلها..
قلت: هذا يعني أنك لن تشارك في القتال؟
أدرك انني احاول استفزازه فقال لي: وأنت، الا تعتبر أنك، من موقعك هنا لا تشارك في الجهاد؟!
ابتسمت، فانفجر ضاحكاً وقد احس انه سجل نقطة علي.. ورأيت امامي فتى جميلاً بعدما اضاءت وجهه ابتسامة عريضة..
قلت: تصلح الآن صورتك كعريس… أليس لك حبيبة في حوش النبي؟
انفجر ضاحكاً، بينما غمرت حمرة الخجل وجنتيه،
تابعت ممازحته فقلت: هل تسمح لي بأن اسميها؟
اندفع نحو النافذة وهو يخفي وجهه بيديه مردداً: لا، لا، لا..
ثم تمالك نفسه وعاد يقول لي: هل تسمح بأن نعود إلى العمل، عندي امور كثيرة عليّ أن انجزها قبل أن اتوجه لأداء مهمتي على الجبهة..
قلت له ما رأيته مناسبا، ثم عدت إلى موضوع خطيبته، فشعت ابتسامة حتى اضاءت وجهه، ورويت له بعض الطرائف فضحك بسعادة، ثم اكتسى وجهه بملامح الجد وهو يسألني: كم مرة التقيت سماحة السيد؟
قلت: تكرم عليّ بلقاءات كثيرة..
فتنهد وهو يقول:
هنيئاً لك.. اما انا فآمل أن اراه عن قرب، ذات يوم.
حين انتهى التصوير رافقته حتى المصعد، وحين عدت إلى مكتبي وجدت أن حمزة قد نسي بعض ابتساماته عندي، واحتفظت له في ذاكرتي بصورة تليق بالشهيد.
بعد يومين او ثلاثة، بلغني خبر استشهاده مع رفيقيه محمد فنتش وحليم علو، خلال عملية اقتحام القصير لتحريرها.
رحم الله كل الذين امنوا بربهم فزادهم هدى ومنحهم شرف الشهادة من اجل ما يؤمنون بأنه الحق والعدل على طريق الغد الافضل..
كلمة القيت في نقابة الصحافة في ذكرى استشهاد حمزة الحاج حسن وزميليه، بدعوة من اصدقاء الشهيد، في 11 نيسان 2018.