بهدوء المناضلة التي تستمد الثقة بالنفس من الايمان بقدسية القضية. جلست السيدة فدوى البرغوتي، زوجة “شيخ” المناضلين في الارض المحتلة ورمز صمودهم وعنوان صلابتهم التي لا تؤثر فيها السنين، وفراق الأحبة، وقهر المحتل العنصري المتوحش، تروي لنا بعض فصول القهر والعنت الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد هذا الذي سجل بصموده صفحات من البطولة التي ندر أن سجل مثلها أحد: مروان البرغوتي.
فدوى البرغوتي المجاهدة، مثل مروان، وأكثر، لأنها تتمتع بفسحة من الحرية، تمكنها من السفر والتواصل مع شعب فلسطين الطريد والمشرد في المخيمات والمنافي، ولكنه يستمد الايمان بقضيته المقدسة ويجدده، كلما انتبه إلى امثال هذه السيدة المقاتلة بأقوى الاسلحة: الانتماء للأرض والتشبث بها، وتحمل التنكيل والاضطهاد وفراق الحبيب ـ البطل وتنشئة ابنائها، وقد عمرت صدورهم بحقهم الثابت في بلادهم التي كانت بلادهم وما تزال بلادهم وستظل بلادهم.
لا ادعاءات، لا كلمات مفخمة، بل هي البساطة والصدق والعفوية وهي تروي حرمانها من رؤية المناضل السجين، وان كانت تجد من الوسائل ما يوفر لها التواصل معه وتبلغ صورة تفصيلية عن وضعه في معتقله هذا الجبار الذي ينتصر كل يوم، بل كل ساعة، على أبشع استعمار استيطاني في التاريخ الانساني وأعظم توحشاً.
تتحاشى فدوى البرغوتي الحديث عن مباذل “السلطة” في فلسطين المحتلة.
تتجاوز عمداً، مباذلها وقصورها، والصراعات المهينة على سلطة لا سلطة لها، والتي تخدم بانقساماتها وخلافاتها، في الداخل والخارج، الاحتلال الاسرائيلي.
تستذكر، فقط، الراحلين من قيادات الزمن الاول، ويجلل الحزن حديثها عن النهاية التي آلت اليها “السلطة” التي لا سلطة لها، وان اكتفت بالبذخ في المظهر، والثرثرة التي تشكل دليل ادانة على خيانة الثورة والانشغال عن القضية المقدسة بالتباري مع انظمة الردة في التنازلات المهينة التي تسيء إلى قداسة فلسطين ودماء شهدائها من المجاهدين الذين بذلوا دماءهم رخيصة حتى تبقى حية في وجدان اهلها وفي جدول اعمالهم في الداخل.. ولا تنسى أن توجه بعض نقد المحب إلى المقاومة في لبنان التي انشغلت عن فلسطين بأمور كثيرة خارجها.. وأحيانا على حسابها.
فدوى البرغوتي المجاهدة التي لا تطلب شيئاً من احد، بل انها تعطي من رصيد نضالها الصامت ورصيد زوجها الذي تتحدث عنه كزوج وأب ومجاهد ابتدع ـ حتى وهو في سجنه ـ اسلوبا فريداً في النضال: وهو تدريس العلوم السياسية لطلاب البكالوريوس والماجستير والاشراف على اطروحاتهم ليؤمن لهم النجاح، معتبراً انها مهمة جهادية، لان فلسطين يحررها الناجحون في العلم كما في استخدام العبوات الناسفة وتصيد جنود الاحتلال الوحشي ـ قتلة الاطفال.