لم يكن القرار السعودي بنقل القمة العربية من الرياض إلى الظهران لحماية الملوك والرؤساء والامراء وأشباههم من خطر “الصواريخ الحوثية” التي رد بها المقاتلون اليمنيون من اجل حمايتهم جمهوريتهم الفقيرة والمتصدعة البنيان على العدوان السعودي ـ الاماراتي المفتوح بالكوليرا والقصف الجوي المتواصل على مدار الليل والنهار..
يُقرأ الهدف، رمزيا، بالجغرافيا السياسية وهو: نصب القمة في أبعد نقطة، جغرافياً عن إيران، ليمكن “قصفها” بمدفعية عربية جامعة وثقيلة، لا سيما مع التغييب المقصود والمستمر لسوريا ومحاولة احتواء العراق، ومداهنة لبنان بعد احتجاز رئيس حكومته بأمر من ولي العهد الجبار الامير بن سلمان ثم “العفو” عنه، بغير تفسير، وانتهاء بصور “السلفي” معه في باريس وهما يضحكان!
على أن البيان الختامي، كما القرارات التي مُررت على عجل، كل ذلك قد أسقط صفة “العدو” عن اسرائيل وحولها إلى إيران، مكتفيا بأن يقدم مبلغ من مائة مليون دولار + 50 مليون دولار لفلسطين ومن ضمنها القدس، مع “استنكار” لمشروع زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للقدس المحتلة بعد نقل سفارته من تل ابيب اليها.
لقد نجح “تبديل” العدو القومي فحلت إيران محل اسرائيل،
كذلك فان القمة الجديدة لم تسقط الحرم المفروض على سوريا، فتم استبعادها ـ مرة أخرى ـ عن المشاركة في اعمال هذه القمة، بغير أن ينسى أهل القمة تأييد العدوان الثلاثي عليها (اميركا وبريطانيا وفرنسا) بذريعة استخدام السلاح الكيماوي في دوما التي كان الآلاف من أهلها يحتفلون بإخراج مقاتلي “جيش الاسلام” وسائر العصابات المسلحة منها، ليتوجهوا إلى جرابلس..
بالمقابل لم تتوقف القمة المذهبة امام الاعتداء الاسرائيلي الجوي على بعض ضواحي دمشق، مخترقاً “السيادة اللبنانية”… وهو ما فعلته صواريخ العدوان الثلاثي على بعض المناطق السورية.
ذلك أن اسرائيل كما دول العدوان الثلاثي على سوريا لم ترتكب من الجرائم هنا أفظع من الجرائم التي يرتكبها الطيران السعودي ـ الاماراتي في الحرب الوحشية على اليمن السعيد، الذي نقل “رئيسه” اللاجئ إلى المملكة المذهبة منذ دهر من الرياض إلى الظهران ليكون شاهد زور.. محلفاً!
هي قمة بلا قضية..
فمتى غابت او غُيبت فلسطين وبالتالي تم تغييب العدو الاسرائيلي فقدت القمة الغاية منها، لا سيما وقد أثبتت التجارب أن هذه “المؤسسة” أعجز من أن تتخذ الموقف الذي يبرر وجودها.
وكلنا نتذكر أن “ابتداع” مؤسسة القمة العربية إنعاشا لجامعة الدول العربية بإعادة قضية فلسطين والعمل لتحريرها بنداً أول على جدول أعمالها، انما تم بمبادرة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في 26 كانون الأول (ديسمبر) عام 1963، ثم توالت بعدها القمم حتى وفاته … وذلك بين ما أعاد هذه القضية المقدسة إلى صلب الاهتمام العربي العام، بعيداً عن “حروب” الدول الاعضاء حول المسائل الخلافية المعلقة في ما بينها..
كذلك فكلنا نتذكر القرار الشجاع للملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز، اسناداً لحرب العاشر من رمضان (6 اكتوبر ـ تشرين الاول 1973)،والذي أدى إلى حبك مؤامرة اغتياله على يدي واحد من ابناء شقيق له، سرعان ما اتهم بالجنون لطمس من خطط وجهز لتنفيذ هذه الجريمة داخل البيت الواحد.. خدمة لإسرائيل والقوى الداعمة لها بالقيادة الاميركية.
على أن “الكبار”من اصحاب القدرة على اتخاذ القرارات التاريخية قد ذهبوا، وجاء بعض “الصغار” من باعة الاوطان وثرواتها، المتواطئين على القضية المقدسة، فلسطين، وحقوق ابنائها فيها.. وهكذا، فان فلسطين لم تكن البند الاساس على جدول اعمال قمة الظهران، وقد تم احلال ايران محل العدو الاسرائيلي، واكتفت السعودية ومعها القمة بتقديم “منحة” تافهة للاماكن المقدسة في فلسطين.. وكفى الله المؤمنين شر القتال.
انها قمة الخطايا..
وإذا ما استمر حال العرب على هذا المنوال فلسوف يعودون إلى احضان الاستعمار باسمه الجديد “الامبريالية” متكأكئين بعضهم على بعض، مزهوين بأنهم قد هجروا تاريخهم وزوروا جغرافيتهم لترضى عنهم اسرائيل وحاميها ـ حاميهم الاميركي.
وهكذا تحولت القمة، كما ارادها جمال عبد الناصر، من محاولة لإعادة رص الصفوف العربية في مواجهة العدو الاسرائيلي، ومن خلفه الامبريالية الاميركية، إلى منحدر بلا نهاية.. فكل قمة جديدة تتبرع بالمزيد من التنازلات عن الارض، عنوان العزة والكرامة وحاضنة التاريخ لهذه الامة، وتروج للاستسلام امام المشروع الاستعماري ـ الاستيطاني الاسرائيلي المعزز بالدعم العربي المفتوح والذي يدفع تكاليفه اهل النفط والغاز من حكام العرب المحتشدين في الحضن الاميركي ـ الاسرائيلي.
إن أحوال العرب بأنظمتهم الدكتاتورية، ملكية وجمهورية، تتدهور وتتردى يوماً بعد يوم منذرة بانهيار قيمهم وأديانهم واسباب وجودهم في ارضهم التي باتت محتلة بمعظم مساحتها (شبه الجزيرة العربية) كاملة، وبعض المشرق، وبعض المغرب، حتى لا ننسى ليبيا التي اندثرت دولتها والجزائر المحكومة برئيس على كرسي متحرك والمغرب الذي اوفد مؤخراً بعض وزرائه إلى اسرائيل، بذريعة تفقد الاماكن المقدسة وفي طليعتها المسجد الاقصى الذي “باركنا من حوله”، والمهدد بأن يسقط بسبب عمليات الحفر المستمرة التي يقوم بها العدو الاسرائيلي بحثاً عن “الهيكل” التي لم يتأكد وجوده في ذلك المكان.
الله، احمِ العرب من قمم قادتهم التي تكاد تُذهب بحاضرهم ومستقبلهم وتمزقهم بدداً.
تنشر بالتزامن مع السفير العربي