كورونا هي الخبر، وهي موضع البحث والتحليل، هي المصدر واسباب الوقاية والعلاج، اذا ما توفر ونجح في تحقيق الشفاء وتأمين سلامة المصاب .. وأهله.
عيون الناس، رجالاً ونساء وفتية وصبايا الورد مركزة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي تتابع بقلق التصاعد المرعب للإصابات في اربع رياح الدنيا..
تصاغرت الدول، العظمى والقوية والاضعف، أمام هذا الوباء الذي يجتاح الكون من الصين إلى اوروبا بدولها كافة، إلى الولايات المتحدة الاميركية ورئيسها الثرثار الذي يشغله الآن احتمال خسارة تجديد ولايته، لان بعض الناس ينظرون اليه على انه “شؤم” على شعبه..
أما حين وصل الوباء إلى الارض العربية فقد تباطأت مسيرته اشفاقا على هذه البلاد البلا دول والتي لا تهتم بشعوبها ولا تحترمها بحيث تخبرها الحقيقة عن خطورة الاجتماع والتنقل واحتضان الشوق وقبلات الفراق.
ولقد اضطرت العواصم العربية، لا سيما الخليجية، إلى الاعتراف بوصول الوباء اليها، بعد إنكار، ثم محاولة انقاص عدد الاصابات بالوباء، فلما انتبهت إلى أن الدول العظمى والكبرى والاكثر تقدماً، باشرت الاعتراف بالحقيقة تدريجيا، بعد اطمئنانها إلى أن المسؤولية تتوزع على دول العالم كافة، الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الاميركية ودول اوروبا بعواصمها – المتاحف كباريس وروما ومدريد وستوكهولم ولندن، تشجعت قياداتها فباشرت الاعتراف بأعداد الاصابات في العاصمة والمدن الكبرى والارياف، طالما أن الوباء ليس عنصريا، ولا يفرق بين من يجتاحهم على اساس الدين أو اللون.
وهكذا نال وباء كورونا شهادة كونية بعدالته!.
لكن الانظمة الحاكمة، في الشرق والغرب، لم تكن كذلك، اما الانظمة العربية فقد تجلى كذبها الذي يكشف احتقارها لرعيتها: فماذا أن يموت مئة او ألف رجل وامرأة، شيخ او عجوز، او فتى غض الاهاب، والتاريخ يشهد باجتياح سابقة لأوبئة قاتلة، ذات يوم، كالطاعون والسرطان والسل والجدري، حماكم الله منها جميعا… ويروي من تبقى على قيد الحياة من الاجداد حكايات مفجعة عن موت الجائعين او المصابين امام عيون اهلهم العاجزين عن علاجهم ، والذين كانوا يقصونهم عن العائلات إلى خيام في البرية حتى يموتوا وحدهم ولا تصيب العدوى سائر افراد العائلة تحت شعار ” يا روحي ما بعدك روح”.
الانسان واحد، والدول كثيرة. ولقد درس الانسان الاوبئة التي عرفها عبر تاريخه، ونجح في الغالب الاعم، بابتداع الدواء الشافي، بعد تجارب مكثفة وتضحيات مكلفة ذهبت بالعديد من العلماء وهم يبحثون ويدققون ويحاولون اكتشاف جراثيم الاوبئة المختلفة، وكيفية معالجتها، والادوية المهيأة لان تبطئ مسارها داخل الجسد الانساني تمهيداً للنجاح في الانتصار عليها بشفاء المصابين بعدواها.
ويحفظ التاريخ أسماء العلماء الكبار، في أربع جهات الدنيا، وفي العصور السابقة ممن عملوا بجد، وعرضّوا حياتهم للخطر، من اجل أن يكتشفوا الادوية الشافية لأوبئة قاتلة حصدت في مراحل معينة من التاريخ الانساني حياة الآلاف من البشر، رجالاً ونساءً واطفالاً. وهددت بلاداً وشعوبا بالانقراض، خصوما حين تزامن انتشارها مع حروب عابرة للحدود، “ومن لم يمت بالسيف مات بالوباء الذي لا شفاء منه”.. وكان الاجداد يحدثون الاحفاد عن الطاعون والسل والجرب وحمى التيفوئيد والحصبة التي لم يكن لها علاج يشفي مريضها.
على أن أخطر ما في الاوبئة القاتلة انها “تفضح” الدول عند اكتشاف انتشار الوباء فيها.. بعضها خوفاً من شعبها الذي سيتهمها بإهمال اسباب سلامته، وبعضها خوفا من أن تحجر عليها الدول العظمى والكبرى فتفرض الحصار عليها وتمنع شعبها من الحركة خوفاً على رعاياها هي وكسر الحظر الذي تفرضه على حدودها.
وبين ما يطمئن في هذه اللحظة أن الدول ـ وتحت ضغط المخاطر القاتلة ـ قد باشرت تبادل المعلومات حول النتائج التي توصلت اليها مختبراتها في كيفية التصدي لهذا الوباء القاتل.. بغض النظر عن حمى المنافسة.
وبرغم أن الرئيس الاميركي المنفوخ غروراً قد شكله بداية في تمكن الصين من السيطرة على الوباء فيها، والتمكن من انتاج ادوية تنفع في محاصرته حيث يكتشف، الا انه سرعان ما تراجع وابدى استعداده للتعاون معها من اجل تأمين سلامة الانسان.
ويبقى بعض الكلام عن احترام حقوق الانسان العربي في بلاده..
في البداية: كان الإنكار!
فقد تكتمت الدول العربية على انتشار الوباء بين رعاياها وكأنه “سر حربي”!
..ثم لما انتبهت إلى أن كبريات دول العالم تعترف، وبلسان قادتها المعظمين، كالرئيس الصيني الذي تميز بالجرأة والذهاب إلى المدينة الاولى ـ ووهان ـ التي اعلنت عن ظهور الوباء فيها لأول مرة.
وبعدما شكك الرئيس الاميركي ترامب في صدقية الرئيس الصيني، اضطر إلى الاعتراف بانتشار الوباء في الولايات المتحدة الاميركية حيث كانت ضربته الأولى صاعقة في نيويورك، ذات العشرة ملايين ساكن وعابر، قبل انتقاله إلى ولايات أخرى في الشرق والجنوب والغرب، وتصاعد اعداد المتوفين بحيث زادوا عن ارقام المصابين في أربع رياح الارض، وتعاظم ارقام المتوفين بحيث تحول الوباء إلى كارثة وطنية، تطلبت اعلان حالة الطوارئ وفرض الاقامة الجبرية في العديد من الولايات.
.. ولما لم يعد مجدياً طمس الحقيقة واخفاء ارقام المصابين، بدأت الدول العربية تعترف، على استحياء وشعور بالذنب بأرقام من ضربهم الوباء فأدخلهم المستشفيات او اودى بهم.
كان لبنان سباقاً في هذا المضمار. وقد لحقت به امارة قطر، ثم تونس والجزائر والمغرب، قبل أن تفصح مصر عن المصابين فيها بالتدريج، بينما اعتصمت السعودية بالصمت واخفت وجود الوباء فيها، وكأنه سر حربي.. قبل أن تضطرها الوقائع إلى مباشرة الاعلان عن وجوده فيها، وفرض الحصار ومنع الدخول إلى مكة المكرمة والطائف، ثم إلى الرياض وجدة، وسائر انحاء شبه الجزيرة، وكأنها اسرار حربية!
ثم تشجعت السلطات على مباشرة اعلان الارقام مخففة.. فلما انتبهت إلى أن الاصابات في إيران ثقيلة، وبالآلاف، وطهران تعلنها على الملأ، مميزة بين المصابين والمتوفين، تشجعت الرياض على مقاربة الحقيقة بزيادة معقولة في اعداد المصابين مثلهم مثل خلق الله جميعاً في العالم.
الوباء ليس سراً حربياً، وأول اسباب علاجه الاعلان عنه، لان العدوى متى انتشرت ستصيب الانسان في أربع رياح الارض.
والوباء ليس عاراً، وليس خطيئة، وليس فضيحة لأي دولة في الكون.. فلطالما شهدت الحياة الانسانية اوقات عصيبة إلى حد القتل الجماعي بالوباء، ثم انتصرت بتضامنها وتعاونها على كشف اسرار هذا الوباء ومكوناته، ومن ثم الانتصار بصنع الدواء الشافي وانقاذ الانسانية.
انها حرب على الإنسانية.. والانتصار يكون بالتكاتف والتعاون وتبادل المعلومات، لحماية الوجود الانساني جميعاً، بالشيوخ والشباب، الرجال والنساء وصبايا الورد، وحق الحياة.
ينشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية