وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فرصة ذهبية في قمة العشرين في الأرجنتين.. فركب طائرته وقصد القاهرة حيث استقبله عند أسفل سلمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعيداً عن غوغاء الجماهير.. وبعد ليلة هانئة فيها، فرض حظر التجول في الشوارع والمناطق التي عبرها ذهاباً وإياباً، قصد الى تونس… وهناك كانت الجماهير الغاضبة قد سدت الشوارع والساحات، فأخذه الحرس الجمهوري المعزز بالقوى الأمنية إلى حيث استقبله وريث بورقيبة الرئيس الباجي قائد السبسي.. ثم الى المطار قاصداً بيونس أيرس.
في المؤتمر كان هم سمو الأمير أن يلتقي ـ ولو للمصافحة فقط ـ أكبر عدد ممكن من الرؤساء الحاضرين، وأن يوزع ابتساماته على من تعذرت مصافحته، في حين احتضنه الرئيس الروسي، قناص الفرص، فلاديمير بوتين، معلناً ترحيبه بزيارته القريبة لموسكو، واستعداده لإتمام صفقة الصواريخ عابرة القارات..
لم يعرف تماماً حقيقة ما دار بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي، لكن “امبراطور أنقره” ما زال يُصر على الحصول على اعتراف رسمي بمسؤولية السعودية عن الإغارة على القنصلية السعودية في اسطنبول واغتيال الصحافي الراحل جمال خاشقجي وتقطيع جثته، وإذابتها بالغاز، أو نقل قطعها في صندوق سيارة دبلوماسية الى حيث ألقيت في إحدى الغابات القريبة من اسطنبول… أو أنها نقلت بناء لتعليمات خاصة من الرياض الى عاصمة المملكة المذهبة، لتطمئن قلوب من أصدروا الأمر بالقتل والتقطيع… الا أن آثار الجريمة وكل ما يشير الى المنفذين قد أخفي تماماً.. وأن أبناء الراحل سيعوضون عن مجزرة قتله كل ما يمكن أن يأخذهم الى النسيان والاهتمام بمستقبلهم في رعاية المتهمين بتقطيع جثة والدهم بعد قتله..
في طريق العودة، تقصد ولي العهد السعودي أن يهبط في موريتانيا الذي نسي الحكم فيها، كما الشعب، شكل الدولار أو الدينار أو حتى الريال… فلقي الأمير محمد بن سلمان استقبالاً مقبولاً.
أما في الجزائر فقد لفت الأمير غياب الرئيس الأبدي عبد العزيز بوتفليقة، واعتذاره عن استقبال ضيف بلاده، بذريعة انه مصاب بأنفلونزا قوية، تمنعه حتى من ركوب الكرسي المتحرك للقائه ..ولو في البيت!
وهكذا انتهت رحلة محاولة تبرئة الذات بصور ملونة في لقاءات متعددة لولي العهد السعودي مع مسؤولين في بلاد أخرى، بعيداً عن وقائع الجريمة غير المسبوقة ـ دولياً ـ أقله في القرن الحالي، وخارج “أرض الخراب”!
*****
أما في بيروت فقد تقاطر المهنئون الى السفارة السعودية ليشكروا المسؤولين في المملكة المذهبة على ترفيع القائم بالأعمال في بيروت وليد البخاري الى رتبة سفير، تقديراً لجهوده الرياضية والخيرية فضلاً عن السياسية، إذ انه جاب أنحاء لبنان جميعاً، مهنئاً ومعزياً ومشاركاً في افتتاحات “مشروعات الخير” التي اسهمت المملكة في تنفيذها، وكلفتها جميعاً أقل من مصروف أمير وليد في يوم واحد.
ومن لم يستطع زيارة السفارة أغتنم فرصة إطلاق اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أمير دولة الإمارات العربية المتحدة، على شارع عريض في محلة الإيدن روك، للسلام في بيروت على السفير السعودي الجديد وتهنئته بهذا التقدير الملكي السامي، الذي تجاوزت معها القيادة الملكية همومها في اسطنبول، وقضية اغتيال جمال خاشقجي لتمنح ممثلها في لبنان لحظة فرح بتسميته سفيراً.
*****
سيمر زمن طويل قبل أن ينسى الناس، عرباً وأجانب، تفاصيل الجريمة الشنيعة التي أودت بحياة جمال خاشقجي..
وستتردد روايات وحكايات وأساطير عما يجري في مملكة الصمت والذهب، ولماذا استدعي الأمير أحمد بن عبد العزيز، وهو آخر الأبناء الأحياء لمؤسس مملكة الصمت والذهب، من لندن، حيث كان يقيم وبأية إغراءات… وهل له علاقة بتغيير متوقع على صعيد مواقع القرار في السعودية، أم انه مجرد تدبير وقائي بحجز هذا الأمير الأخير المتحدر من صلب عبد العزيز، منعاً للشك، وتحوطاً من احتمالات التغيير المفترض في المملكة اذا ما قضت إرادة العلي القدير برحيل الملك سلمان.. الذي تباهي ذات يوم بأن الجد الأعلى لهذه الأسرة هو مسيلمة الكذاب، الذي ادعى النبوة، مع بدايات انتشار الدين الحنيف على يدي النبي العربي محمد بن عبد الله وصحبته والمجاهدين الأوائل الذين تولوا بعده نشر رسالة الإسلام.
ولا يستبعد أن يمر بذهن أحفاد من حاول منافسة الرسول الكريم، وهو من اطلق عليه العرب “مسيلمة الكذاب”، أن يحاولوا، الآن، “سعودة” العرب بالذهب، وبالتحالف مع اسرائيل التي يتباهى رئيس حكومتها نتنياهو، بأن “العديد من العواصم العربية باتت مفتوحة أمام دولته” التي تقتل مزيداً من الفلسطينيين في كل يوم… والتي تهدد الآن لبنان بذريعة ان رجال المقاومة يحفرون الآن خنادق في الأرض اللبنانية تمتد الى داخل الأرض الفلسطينية، مما يهدد الأمن الإسرائيلي ويقلق الشعب الأممي الآتي من أربع رياح الأرض لكي يسيطر بالقوة على حاضر الشعب الفلسطيني ومستقبله، مهدداً الأمن القومي جميعاً في الأرض العربية من المحيط الى الخليج.
ولم تظهر مملكة الصمت والذهب، في أي يوم انها معنية بأمن هذه الأمة وسلامة أهلها وأرضها.
وأقصى ما يعنيها سلامة عرش الأسرة الذي قام بالسيف، وعبر حماية الأجنبي، وما يزال قائماً بفضل هذه الحماية المكرسة لتأمين استمرار تدفق النفط العربي في الخزانة الأميركية.
تنشر بالتزامن مع السفير العربي