من دواعي اعتزازي أن تكون طالبة مجتهدة قد اختارت “بتحريض” من استاذها المشرف على رسالة الماستر، نصوصاً من “اقوال نسمة” لتكون موضوعها.
ولقد تشرفت بقبول دعوتها لحضور مناقشة الرسالة، مغتبطاً بأن يكون موضوعها “اقوال نسمة”، التي كنت انشرها ضمن زاوية “هوامش” يوم الجمعة من كل اسبوع فرحاً بها كمتنفس يأخذني بعيداً عن الحياة السياسية اليومية بفضائحها وتفاهتها، وانحصارها في تسجيل خيباتنا وهزيمة جيلنا امام التحديات التي فرضت علينا، في الداخل قليلاً وفي الخارج ومنه كثيراً.
ومما زاد من شرف المناسبة أن المشرف على الرسالة كان عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية الأستاذ الدكتور محمد توفيق ابو علي، رئيساً، وعضوية الدكتور ايمن القادري وناتالي الخوري غريب، كعضوين.
كان الحفل بسيطا، والجو يعبق بالثقافة والعلم وبعض الشعر، خصوصا مع مشاركة نجلي الطالبة ـ الام بفرح المناسبة التي ملأتهما بالزهو والفخر بأمهما التي تعمل في التدريس، فضلاً عن مشاركة خجولة للزوج والأب.. امام تحدي زوجته التي تابعت دراستها في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية، برغم انها تكدح كمعلمة.
مبروك لهيئة الإشراف وللطالبة ـ الأم التي حققت هذا النجاح.. مع شكري لاختيارها “اقوال نسمة” كموضوع لرسالتها، حتى وان تم ذلك بتحريض من العميد ابو علي وزميليه.
طلال..
ايمان يوسف ـ تقديم الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد…
فيطيبُ لي أن أتقدمَ بكلمةِ شكرٍ لا تنقطعُ وعبارةِ امتنانٍ لا تنتهي إلى أساتذتي في سنوات الدّراسةِ.
بدايةً من المشرفِ على هذا العملِ الأستاذُ الدّكتور محمّد توفيق أبو علي الّذي أغنى بحثي وعملي بتوجيهاتِهِ وملاحظاتهِ، وأشكرُ اللهَ أن أنعمَ عليّ بالتّلمذةِ على يديهِ في الجامعةِ اللبنانيّةِ فكان نعمَ الأستاذُ والمشرفُ والمربي.
وأشكرُ الدكتورة هند أديب التي ساندتني في خطواتي الأولى في بحثي
كما أشكرُ عضوي اللجنةِ المناقشةِ
الدكتور أيمن القادري والدكتورة ناتالي خوري لتجشمِهِما عناءَ القراءةِ، وبكل ما يحتاجُهُ بحثي من عنايةٍ وتدقيق.
وأشكرُ صاحبَ المدونةِ الأستاذ طلال سلمان الذي لم يبخل عليَّ بأيِّ مساعدةٍ في سياقِ بحثي، واتسعَ لي ولبحثي وقتُهٌ الضيق.
وأخيرًا يقضي الوفاءُ بتوجيهِ أسمى آياتِ الشّكرِ للجامعةِ اللبنانيّةِ التي احتضنتني، وشرفَتني بفرصةِ الالتقاءِ بأساتيذِها والتّلمذةِ على أياديهِم الكريمةِ.
والآن أحبُّ أن أعرضَ لفكرةِ موضوعي على نحوٍ موجزٍ
الكاتب هو الصّحافيُّ طلال سلمان
والمجموعة هي أقوالُ نسمة المنشورة في جريدةِ “السفيرِ”
أمّا عملي فحاولَ أن يخترقَ تلكَ الإشاراتِ التي ازدحمت وفقَ علاقةٍ لغويةٍ وشبكةٍ دلاليّةٍ ممتدةٍ في طريقٍ خصبٍ يكتنزُ بالنماءِ،
واستكناهِ علاماتِ هذه النصوصِ بعيدًا من مؤلفِها واستنطاقِها من خلالِ الكشف عن المضمرِ والمسكوتِ عنه في تلكَ النّصوصِ النّثريّةِ القصيرةِ،
بناءً على أنّ النصَّ الأدبيَّ حقلٌ غنيٌّ بالعلاماتِ اللغويةِ وغير اللغويّةِ وكلّ علامة فيه تحملُ مدلولًا أو أكثرَ، وبتأويلِها ينقشعُ الضبابُ حولَ ماهيّةِ الحبِّ في أقوالِ نسمة
إذ اشتغل العملُ على دراستِها وفق مقتضياتِ المنهجِ السيميائيِّ، ولذلك تناولَ العنوانَ بوصفِهِ العتبةَ الأولى والوحيدةَ لجميعِ أقوالِ نسمة،
أما جسمُ البحثِ فقد قسمتُه فصلين
الفصلُ الأوّلُ وعنوانُه “علاميّةُ الحبِّ في أقوالِ نسمة” وفيه ثلاثةُ مباحث :
“سيميائيةُ العتبةِ وقراءةٌ علاميّةٌ لثلاثِ نسماتٍ”، و”سيميائيّةُ الزمانِ والمكانِ” و”التشاكلُ والتباينُ” بمستوياتِهِ الثلاثةِ الصوتي والتركيبي والمعجمي.
وأيضًا الفصلُ الثاني وهو “ماهيّةُ الحبِّ عند طلال سلمان”، وفيه “الحقولُ الدلاليةُ” البارزةُ في النصوصِ و”لغةُ الحبِّ عند طلالِ سلمان” كالتشبيهِ والاستعارةِ والانزياحِ، وأخيرًا “التّناصُ” الذي كان الوسيلةَ الأخيرةَ للكشفِ عن دلالةِ الحبِّ في النّصوصِ.
وبما أنّ الموضوعَ المختاَر للدراسةِ هو الحبُّ عند طلالِ سلمان “أقوال نسمة أنموذجًا” فكانت الدّراسةُ سيميائيّةً تطبيقيّةً لبعضِ النماذجِ ومن ثمَّ مقارنتها مع سواه ممن تكلموا وقالوا في الحبِّ كأهلِ التصوّفِ لذلك كانت الإشكاليّةُ المطروحةُ في البحثِ على الشكلِ التالي:
أكان حبُّ طلال سلمان حبًا صوفيًا أم حبًّا حسيًا؟
ومنها تتفرعُ الإشكالياتُ التاليةُ:
هل كان طلالُ سلمان رجلاً عاشقًا يسعى إلى تقديمِ صورة ٍمثاليةٍ وعميقةٍ للحبِّ؟
هل لامست لغةُ طلال سلمان لغةَ التصوّفِ؟
هل اتكأَ على مرجعيّاتٍ تراثيّةٍ؟
ومن نتائجَ ما توصلتُ إليهِ:
أنّ طلالَ سلمان قد مسحَ نصوصَهُ بمسحةٍ صوفيةٍ ولفحَها بنسماتٍ دينيةٍ ما أدى إلى اقترابِ نصوصِهِ وأسلوبِهِ من التعبيرِ الصوفيِّ،
وأنّ طلالَ سلمان ليس متصوفًا وإنّما استلهمَ من أهلِ التصوفِ رؤيةً تعبيريةً أسقطَها على حبِّه ليكونَ هو وهي وحبُّهما مثالًا للحِّب العميقِ الصادقِ الذي يرتقي عن هذا العالمِ العابقِ بالماديّةِ إلى عالمِ اللاماديةِ، وهو عالمٌ بطعمِ إحساسِه وروحِه العاشقةِ، ومن خلال المقاربةِ في المبحثِ الأخير تبينَ
أنّ عشقَ طلال سلمان إنسانيٌّ محضُ ولكن بحُلَّةٍ صوفيةٍ استعارَها من عشقِ القدماءِ رغمَ حداثةِ العصرِ لسدِّ الثغراتِ التي يحفرُها التطورُ السريعُ بالمفاهيمِ ولابتعاِد الناسِ من التفكيرِ بعمقٍ إنسانيٍ إلى التفكيرِ بسطحيةِ الأمورِ
وإن أسلوبَ طلال سلمان النثريَّ الرقيقَ جاءَ ليلفتَ الناسِ إلى أن الإرثَ الصوفيَّ قادرٌ على إحياءِ ما ماتَ من المشاعرِ الراقيةِ
أمّا بالنسبةِ للصعوباتِ التي واجهتني أثناءَ عملي فأبرزُها:
قصرُ النصوصِ وحصرُها في عشرةٍ فقط، ثم تناولُها بالدراسةِ السيميائيةِ التي تحتاجُ إلى مادةٍ واسعةٍ من العلاماتِ للتمكنِ من الإفادةِ من تطبيقِ آلياتِ التحليلِ السيميائيِّ المطروحةِ في خطةِ البحثِ
تشاكلُ موضوع البحثِ مع الحبِّ الصوفيِّ الذي يحتاجُ وقتًا لدراستِه من خلال التبحرِ في مراجعِهِ لعقدِ مقارنةٍ مبسطةٍ بينَه وبينَ الحبِّ في نصوصِ نسمة، ومما عقدَ القضيةَ أكثر هو غيابُ المصطلحِ الصوفيِّ في منجز الكاتب، وهذا ما جعلَهُ ينثرُ المفاهيمَ الصوفيةَ داخلَ متنِ نصوصِهِ على شكلِ أفكار.
هذا كان شرحًا موجزًا لمضمونِ بحثي فإن أصبتُ فبتوفيقٍ من اللهِ وإن أخطأتُ فمن نفسي، وهذا مااستطعت أن أقدمَه، وهو يحتاج إلى عنايتِكم، ليسلكَ السبيلَ الأقوم.
وشكرا.
كلمة المشرف الاستاذ الدكتور محمد توفيق ابو علي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
كليّة الآداب اليوم في فرح وحبور وسرور، فهي مدعوّة إلى مائدة فيها ما يُلتَذّ من مشتهيات الفكر والجمال، وهذه المائدة صاحبها مخضرم؛ عرف الحرف فصادقه فصدقه فكان “صوت الذين لا صوت لهم”.
هذا الصّحافي تملكته حرفة الأدب، ولم يكن يشعر بذلك إلى أن استبّد به زلزال يسمّى الحب، حينئذ أسلم نفسه له.
وهذه المائدة الّتي نتحدث عنها تعود بنا القهقرى إلى أصل كلمة أدب.
فالأدب فيما مضى عند العرب لم يكن له هذه الدلالة، بل كانت تنطلق دلالته من صلته بالمأدبة وما فيها من طعام وشراب، وظلّ الأمر في اضطراب دلاليّ حتّى وصل الأمر إلى ابن منظور صاحب اللّسان فقال: سُمّيَ الأدب أدبا لأنّه يأدب الناّس ويدعوهم إلى المحامد وينهاهم عن المقابح، فأيّ محمدة يا ترى أرقى من محمدة الحبّ؟
لذا فالموضوع الذي نحن بصدد مناقشته هو: “سيميائيّة الحبّ عند طلال سلمان ـ أقوال نسمة أنموذجًا”، موضوع نرتاح إليه ونقرّ ونجهر بأنّنا بمسيس الحاجة إليه، وهذه الموضوع عاينته طالبة لم تترك سانحة لكشف اللّثام عن السّر المكنون إلّا وظفتها في سياق البحث والتّحليل، ونجحت هذه الطّالبة في تشريح تفصيلي أخّاذ؛ لم يترك شاردة أو واردة تختفي خلف الأقنعة، ومع هذا التشريح لم يسقط قطرة دم واحدة، بل عاينته برقة ولطف، ولكنّها لم تكن مسايرة هذا العاشق، ولذلك كشفت كلّ مستور، ثمّ بيّنت أنّ هذه العشق المكنون بدأ من طينية بشرية، ثم ارتقى إلى نورانية عرفانية أهلته لأن يكون مثار بحث وتحليل، أمّا الطالبة، فهي إنسانة خُلِقَت للبحث عن كلّ جميل، وأسعفها بهذا المجال كما أسعفني حضور زميلين عزيزين (الدكتور أيمن أحمد رؤوف القادري ـ الدكتورة ناتالي خوري) فعيونهما كانت لي وللطالبة بمنزلة قنديل لاتطفئه الرّيح.
كلمة الاستاذة ناتالي الخوري غريب..
مناقشة الطالبة إيمان اليوسف، عمادة كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، الجامعة اللبنانيّة، في 19 نيسان 2018. إشراف أ.د.محمّد توفيق أبو علي ورئاسته، وعضوية د. أيمن القادري وناتالي الخوري غريب.
الموضوع: مناقشة رسالة ماستر في اللغة العربيّة وآدابها
عنوان الرسالة: سيميائيّة الحبّ عند طلال سلمان / أقوال نسمة نموذجًا ـ دراسة تطبيقيّة
الطالبة: إيمان يونس محمّد اليوسف
المشرف: العميد أ.د. محمّد توفيق أبو علي
في الموضوع:
تتناول دراسةُ الطالبة الموسومة بـ”سيميائية الحبّ عند طلال سلمان، أقوالَ نسمة نموذجًا ـ دراسة تطبيقيّة” نصوصًا أدبيّة لم يتطرّق إليها أحد في البحث والتحليل، ما يجعل أيَّ مقاربة في هذه النصوص إضافة ًجديدة إلى المكتبة النقدية.وبخاصّة أنّها لكاتب، استطاع ان يخصّص مساحة للضوء، تحتاج الى كثير من صفاء النفس في صدق الاختبار الوجداني والبوح به، على الرغم من متابعته الدقيقة في الإضاءة على مفاسد السياسة وشجونها ومآزمها.
في أقوال نسمة:
تشكّل الكتابة الأدبيّة شعرًا أم نثرًا، نوعًا من الانعتاق الذي يتوق إليه الأديب، وبخاصّة إذا تناول موضوعًا ما، بملء كيانه، بكليّته، فكيف إذا كان هذا الموضوعُ وجدانَه وما تعتري روحه من مشاعر. فالروح حين ينضج، يعرّي ذاته على الملأ، ويعبّر عن اختباراته وترقّيه بما يشبه الانعتاق الصوفي، من هذا الباب نقرأ نصوص الأستاذ طلال سلمان موضوع البحث الذي تقدّمت به الطالبة، “قال لي نسمة الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحبّ”، فامتهانُ الحبّ، بأسلوب بالحصر يجعل كل إنتاج معجونًا أو مجبولًا بقدرة تحويلية هي الحبّ، ومن كان الحبّ في كينونته أو في صلبه، يأتي وجوده مثاليًا نبيلًا، على صعيد الإنسانية، أمّا على صعيد المنتج الأدبي، فيأتي مثالًا جميلا ينثر خيرًا وحقًا وجمالا…
وامتهان الحبّ في النصوص موضوعِ الدراسة أُسندت إلى فاعل هو “نسمة”، أي الى عنصر طبيعي لكنّه عاقل ناطق، قد يكون تمظهرا للفكرة اللطيفة في أناقة العبور، أو الى الروح الواعي الذي يصغي الى ذاته، بخاصة أنّ فعل القول هنا مذكّر، كأنّ الكاتب كان يناجي روحه او ظلّه أو نفسه الواعية التي أرادت أن تكشف عن ذاتها، على الرغم من كلّ المشاغل والمسؤوليات، لتكون رسالة صارخة الى ضرورة امتهان الحبّ مكوّنا لازما وضرورة حتمية لكلّ عمل، وليس فقط مصاحبًا عند تقلّبات المواسم، ليأتي نشر هذه النصوص إعلان رسولية الحبّ وأهميته في كينونة الأقلام والأقوال والأفعال.
هذا حول نصوص موضوع البحث، كيف قاربت الطالبة هذه النصوص؟ وكل نصّ أدبي كما هو معلوم قابل للتأويلات حيث لا نستطيع أن نقول، هذه مقاربة أصحّ من تلك. إنما تختلف القراءات والتأويلات باختلاف المناهج المعتمدة. فلو درسنا الأحوال الصوفيّة من خلال استنطاق هذه النصوص، في منهج موضوعاتي تأويلي أو ظاهراتي، لخلصنا إلى الأخلاق الصوفيّة بما هي قيمة تتقاطع مع الأخلاق الدينية والاجتماعيّة. أي أنّ النتائج المترتّبة عن كلّ منهج قد تتقارب أو تأتي في سياق آخر بحسب آلية البحث المعتمد مع غنى النصّ موضوع البحث.
في لغة البحث:
جاءت لغة البحث رصينة من حيث التركيب والوضوح والمباشرة كذلك المقدرة اللغوية في استخدام المصطلحات النقديّة. والرسالة خالية تمامًا من الأخطاء اللغوية والنحوية والمطبعية، ما يجعلها نموذجًا يُحتذى لطلاب شهادة الماستر في اللغة العربيّة وآدابها.
في الإشكاليّة:
طرحت الطالبة موضوع الحبّ عن طلال سلمان بين الصوفي والحسّي وجعلتهما في موقعين متقابلين ومتناقضين كإشكالية أساسيّة، فرّعت منها إشكاليات أخرى تتعلّق بتقديم صورة مثالية عن الحبّ، وعن قدرة لغة سلمان في ملاسة لغة التصّوف واتكائه على مرجعيات تراثية” ص 3. ومن ثمّ تلت إشكاليّاتِها بفرضيّات، جعلتها قضيّة عن كلّ إشكالية، وقد جعلت فرضيتها عن الإشكالية الاساسية هي المزاوجة بين البعدين الحسي والصوفي.
عالجت هذه الإشكالية باعتماد المنهج السيميائي في استنطاق لغة النص الأدبي عند سلمان، من خلال علامات النصّ اللغويّة، وتاليًا، من أجل استخراج دلالة هذه العلامات اللغوية في رسم صورة الحّب الذي يتّخذ مدلولا يختلف عن الآخر في كلّ نصّ بحسب اتساقه مع الألفاظ. من دون إسقاطات خارجية، انطلقت من لغة النص، ومن ثمّ استخرجت دلالات الزمان والمكان من خلال حقليهما، وحاولت تجاوزهَما باستخدام ذلك في تركيب منظومة الحبّ لديه، لتعرّج على المناحي الجمالية في جوهر النص، كالاستعارة، التشبيه، الكناية، الانزياح ومظاهره من حذف وتقديم وتأخير كذلك مظاهر الاعتراض والالتفات والمستوى الاستبدالي، لتنتهي إلى دراسة روحيّة التصوّف لديه من خلال التناص في الرجوع الى أقوال المتصوفّة، التراثية منها، ومقارنة نصوص سلمان بها.
وبذلك، تكون الطالبة قد التزمت منهجها بما يلائم الإشكاليات التي طرحتها، في تدرّجها وحسن تنسيقها وتبويبها والتزام معالجتها.
وقد جاء البحث في فصلين متوازيين، الفصل الاول في إحدى وأربعين صفحة، كذلك الثاني، تضمّن الفصل الأوّل بعنوان علاميّة الحبّ عند سلمان، ثلاثة مباحث، استهلته الباحثة في سيميائية العتبة، وجاء المبحث الثاني في مقاربة سيميائية الزمان والمكان، إذ خلصت الطالبة الى انطلاق سلمان من التقيد بالمكان والزمان والانطلاق الى حيّز لا يعترف بزمان ومكان، منتهية بالمبحث الثالث في دراسة التشاكل والتباين في الأصوات والكلمات المتكرّرة لتدرس المستوى التركيبي والمستوى الصوتي وصولًا الى استخلاص المستورى الدلالي.
وتضمّن الفصل الثاني، ص 42 ـ 83، بعنوان ماهيّة الحبّ عند سلمان، ثلاثة مباحث أيضا، تمحور الأوّل حول الحقول الدلالية، حقل الزمن، وحقل الجسد والمكان (قامت الباحثة بإدراج أعضاء الجسد ضمن حقل المكان بحسبان المكان الذي دارت فيه أحداث شعورية ظاهرة وغير ظاهرة وظّفها الأديب بطريقة استعارية، ص 44، بعدِّ الجسد جزءا من الفضاء النصي، (التشخيص)، كذلك حقل الزمان والمكان، مع الترسيمات، حقل الطبيعة، حقل المشاعر، الموسيقى، الماورائيات التارخي، استخلاصا لرمزية الحقول الدلالية).
وتناول المبحث الثاني لغة الحبّ، بِعَدِّ النص الأدبي حقلا خصبًا بالعلامات الأدبية منها الاستعارة والتشبيه والمجاز والانزياح عالجت فيه الباحثة ذائقة الكاتب اللغوية في التعبير عن مكنوناته ومراميه، ما يتطلّب مقدرة فنية في مزاوجة العقل والوجدان واللغة والفنّ، ودرستها بحسبان أنّ دلالة العلامات اللغوية في غير موضعها تروم الى مقاصد لها دلالاتها الجديدة 63. ومن مظاهر الانزياح الحذف حذف الضمير والتقديم والتأخير والاعتراض والالتفات من ضمائر الغائب الى المخاطب أو العكس، من المتكلم الى المخاطب وأثرها على علاميّة النصوص وجعلها تقترب من شعرية اللغة..
وجاء المبحث الثالث في معالجة التصوّف عند سلمان، بدءا من التناص.
لا تقتصر علميّة هذه الرسالة وموضوعيّتُها من خلال المباحث التي تتعلق بالناحية التركيبية واللغوية والنحوية والصوتية والمعجمية، كمنحى تفكيكي للعبارات أو النصوص، إنما تجلت علميتها في المبحث الاخير والأهم، لانه شكل تركيبا لما فكّكته في المباحث السابقة، فهي لم تقم بإسقاطات عند المقارنة بين بعض أبيات جلال الدين الرومي وابن الفارض والحلاج وبين طلال سلمان، انما استقت روحية التقارب من النصين المتقابلين حول ثيمة معينة ضمن السياق الكلي للحال الصوفي، لتخلص الى استنتاج العبق الصوفي أو الروحية الصوفية، وليس عقيدة صوفية أو حلولية أو نسبته الى تصوف طريقة أو حقيقة او شريعة وما شابه. تقول في ص 70: بدا ان الكاتب بثّ في نصوصه نفحات صوفية لفحت معانيه فصبغتها بصبغة تقتر من روح المتصوفة رغم اختلاف محبوب كل منهما…) ص 70.. هي تتبّعت دلالة العلامات اللغوية التي تمّ اقتباسها لتحديد عبق المعنى الصوفي في كلّ نص 71، معرجة على الجمال وقدسية مقام المرأة أو الرمز الانثوي عند الصوفية، واستلهام مفهوم التراث الصوفي، والبحث عن المطلق في المكان 75 والزمن المطلق … وترى الباحثة: “ان الزمن يخرج الى اللازمن… وهذا مفهوم صوفي ورومنسي، وكيفية توظيف الماء على انه تدفق الزمن 76، كذلك الرضا كحال صوفي والموسيقى ودورها والفرح، وهي حال من الاحوال الصوفية، 79، ورمزية الطير، والاندماج في الحبيب، وقد ربطت بينهما من خلال “التشابه بين تجربة المتصوفة وتجربته في الارتقاء الى ما هو أسمى وأجمل 82”.
جاء في الخلاصة: “إن طلال سلمان ليس متصوفا، وأن افكاره تنزع نحو هذا الاتجاه من الحب الصادق، ما يكسب حبّه شيئًا من العبق الذي يجعله حبًّا متساميًا ويكسبه بعدًا أخلاقيا عالي المستوى… وتاليا يرسم من صدق عاطفته قوانين للحب الذي يرى انه حاجة نفسية ضرورية لهذا العصر”، وأكمل هنا، إنّ اللغة الصوفية اليوم هي مستغلقة غامضة على غير العارفين بها، المحتاجين اليها، من هنا ضرورة تبسيطها وجعلها بمتناول الجميع على اأّها حاجة قيمية واخلاقية وروحية في مجتمعنا المعاصر، ولا يمكن تبسيطها إلا على أيدي كتّاب يطوّعون اللغة بحسب تجليّات الحبّ الذي يعيشونه، لأنّها لغة كيانية تخترق القلوب والنفوس والأرواح حين تتقاطع معها في حال من أحوالها أو مقام من مقاماتها.