استذكر الناس الطيبون، أي أكثرية اللبنانيين الرئيس المفرد، في تاريخ الحكم والحكومات: سليم الحص، لمناسبة زيارة المجاملة التي قام بها الى منزله رئيس الحكومة حسان دياب.
ذلك أن سليم الحص الذي جاء من خارج النادي السياسي قد أصر ان يبقى هو نفسه، طوال تسلمه رئاسة الحكومة، لمرات عدة، كانت أولها مع شبيه له في الآدمية والنزاهة والبعد المحسوب عن الأحزاب السياسية والتكتلات النيابية والحزبية الرئيس الراحل الياس سركيس.
كانت تجمع بين الرئيسين صفات النزاهة، والحرص على البعد عن الصفقات، وقد توطدت بينهما الصداقة من خلال عملهما في مصرف لبنان، الأول في منصب “الحاكم” والثاني في موقع “رئيس لجنة الرقابة على المصارف”.
كان الرجلان من طينة واحدة: كلاهما من أصول قريبة من الطبقة الوسطى، وبلا حاشية أو صولجان، بعيدان عن سياسة الصفقات والمقالب والطعن بالظهر، لا يحبان الظهور، ولا يكثران من التصريحات المدوية ذات التعابير الخارجة عن الأصول، وان تميز الرئيس الحص بالظرف والطرب للنكتة والمشاركة في غزلها، وتجنب لقاءات الثرثرة الفارغة والنميمة، مع حرص على عدم الإيذاء وتناول الآخرين في ما لا يليق…
معروف بأن الرئيس الحص كان “نباتياً” لم يذق في حياته اللحمة أو السمك، ولم يجرب المشروبات الروحية، ولم يدخن مطلقاً، خصوصاً وقد كان يعاني من الربو..
وكانت رفيقة عمره الراحلة السيدة ليلى فرعون الراوية المميزة لطرائفه ونكاته، حتى لو كانت هي موضوعها، لا سيما في مجال عاداته المميزة: فلا هو يدخن، ولا يشرب الكحول، ولا يأكل اللحم ولا السمك حتى ان احد الأجانب سألها بعدما سرد كشف “الممنوعات”: لا تواخذيني سيدتي.. هل عندكم أولاد؟
حفظ الله هذا النموذج الفذ والفريد في الحياة السياسية في لبنان، سواء في النزاهة ونظافة الكف، أو الرصانة والإحساس العميق بالمسؤولية، فضلاً عن الظرف والاستمتاع بالنكتة وإعادة “تركيبها” تأميناً لترويجها.
سلمت لوطنك الذي يحفظ لك التقدير العميق، ولشعبك الذي يرى فيك النموذج الفريد الذي دخل الى “النادي السياسي” فكان نسيج وحده..
وستبقى طويلاً يا دولة الرئيس مثالاً لعزة النفس والضمير اليقظ والعداء للطائفية والمذهبية وتقديم الكفاءة ورفض الواسطة..
مع العلم انه كان أظرف من مر في تاريخ الطبقة السياسية..
حفظه الله وأبقاه ذخراً ومثالاً للحاكم العادل ونظافة الكف وراحة الضمير.