تشلعت “الامة” وتفرقت أيدي سبأ: ضربت الوطنية بالإقليمية والقومية بالكيانية والاممية بالدين فافتقد اهل الارض الواحدة والطموحات المشتركة ما يجمعهم من اسباب التقدم والحياة الكريمة في الحاضر والمستقبل.
قاتل العرب العرب، وسط ضياعهم، بذريعة تحرير فلسطين، فخسروا تضامنهم وعجزوا عن مواجهة العدو الاسرائيلي…
وقاتل العرب عروبتهم بالإسلام، والاسلام بالعروبة، والعروبة والاسلام معاً بالتغرب بذريعة التقدم واللحاق بالعصر ومواجهة عدوهم الاسرائيلي الذي انتصر عليهم مجتمعين ومتفرقين بامتلاكه اسباب التقدم التي وفرتها له دول العالم اجمع، بغربه وشرقه، ثم بالمستوطنين الذين تدفقوا عليه من أربع رياح الارض ليستعمروا البلاد التي تبدت وكـأنها بلا اهل هم من بنوها وحفظوها عبر التاريخ.
ها هم العرب يكادون أن يكونوا بلا هوية الآن: يهرب المتطرفون من عروبتهم إلى الدين الحنيف وقد تناسوا “إنا انزلناه قرآناً عربياً”، ثم يهربون من الدين الحق إلى البدع، فاذا هم خارج الدين يحترفون قتل المؤمنين، جماعياً، لا فرق بين المسلمين، سنة وشيعة، ولا بين المسلمين والمسيحيين، وصولاً إلى الازيديين والصابئة وسائر المؤمنين..
والعمليتان الارهابيتان لـ”داعش” اللتان استهدفتا الكنائس القبطية في طنطا والاسكندرية هما حلقتان في مسلسل الارهاب الداعشي الذي يستهدف اثارة الفتن بين المسلمين والمسلمين والمسلمين والاقباط، بين العرب والاقليات القومية (كما في العراق) بين القبائل العربية المسلمة وان توزعت في مختلف انحاء ليبيا، بين الشيعة والسنة كما في لبنان، وبين السنة والعلويين ، كما في سوريا.
إن “داعش” تهدف إلى اصطناع تاريخ جديد لهذه الارض، بدماء أهلها،
انها تستهدفهم في دينهم، كما في هويتهم الوطنية، كما في هويتهم القومية التي تؤكد انتماءهم إلى هذه الارض حتى الذوبان فيها، وحقهم فيها بقوة التاريخ الذي اصطنعوه بتضحياتهم التي اضفت على الارض قداستها بوهج دمائهم الطاهرة التي حفظتها.
إن المسؤولية التاريخية عن استيلاد هذا المسخ المتستر بالدين، زوراً وبهتاناً، انما تقع على عاتق انظمة القمع التي دمرت آمال الامة واحلامها في الوحدة والتقدم، وضربت هويتها الجامعة ليسهل تقسيمها طوائف ومذاهب شتى تقتتل وتتنازع على كيانات مبتدعة لا تملك مقومات الحياة الا بالاستناد على الدول الكبرى التي ساعدت على قامة الكيان الاسرائيلي لتفتيت وحدة الامة ومنع تلاقي اقاليمها المختلفة على ما فيه مصلحة مجموعهم.
إن نسف الكنيستين في طنطا والاسكندرية، ومن قبل في القاهرة وجهات أخرى من مصر، يأتي في سياق اثارة الفتنة في مصر، تماماً مثله مثل محاولة الفتنة السنية ـ الشيعية في العراق وفي اليمن وفي سوريا، وفي لبنان المبتلى بالسرطان الطوائفي.
انها بعض المؤامرة على الامة في حاضرها وفي مستقبلها، في امنها واستقرارها، في طموحها إلى التوحد والتقدم والمنعة وتوفير القدرة لهزيمة المشروع الصهيوني الذي يمهد لعودة الاستعمار القديم بقواته العسكرية، كما يحصل الآن في جهات عربية عدة، فضلاً عن الاستعمار الجديد (او الامبريالية) بالهيمنة على مقدرات الامة جميعاً، فوق الارض وتحتها.
انها ليست ضربة لأقباط مصر، بل هي ضربة لمسلميها قبل اقباطها..
وهي ليست ضربة لمصر، بشعبها جميعا، بل ضربة موجعة للامة جميعاً، بكل مكوناتها الدينية والطائفية والمذهبية.
انها ضربة في سياق واضح هدفه تمزيق وحدة الامة، بشعوبها جميعاً، ودفعها إلى الاقتتال الداخلي بما يتسبب في خسارتها مستقبلها بعد حاضرها..
على أن وعي الامة المحصن بالتجارب والمعزز بالإيمان سيظل اقوى من موجات الارهاب بالشعار الديني والمسخر لخدمة العدو الاسرائيلي ومشاريع الهيمنة الاجنبية، سيهزم المؤامرة الجديدة.
وستكون دماء الشهداء الجدد في الكنيستين مصابيح وعي في مسيرة التقدم نحو الغد الافضل بتعزيز الوحدة بين ابناء هذه الامة المستهدفة في غدها كما في يومها، والتي ستؤكد ـ مرة أخرى ـ وعيها المضرج بدمائها والمؤهل لرسم طريقها إلى مستقبلها الافضل.
ينشر بالتزامن مع “السفير العربي”