هل قُضي الأمر وقررت الامبريالية الاميركية ومعها الكيان الصهيوني أن التغيير ممنوع في هذه الارض العربية، خصوصاً اذا كان يستهدف التخلص من الانظمة الدكتاتورية القائمة والتي لا تنجز غير الفشل وتُعطّل التقدم وتُغَّيب شمس المستقبل ؟
هل تم إلغاء الشعوب وإرادة التغيير لديها وفرض الاستسلام للقدر الاميركي ـ الاسرائيلي ليقرر مصير هذه المنطقة التي كانت فوارة بإرادة التغيير، لا تقبل التهميش ولا تستكين امام الظلم، سواء كان ظلم الحاكم الفرد المعزز بالدعم الخارجي او بالذهب الاسود الذي تحتويه ارضه.. من خارج علمه؟
يطرح المواطن العربي على نفسه هذه الاسئلة ـ الاجوبة وهو يشهد التمكين الخارجي لأنظمة العجز العربي، والتآمر المشترك خارجياً وعربياً على ارادة التغيير في الوطن العربي، ومساندة انظمة العجز التي فقدت كرامتها وعزتها واستسلمت للتبعية الاميركية التي تتضمن العدو الاسرائيلي.
ها هو الرئيس الاميركي الارعن دونالد ترامب يطرح مشروعه الخرافي الذي يفضحه عنوانه “صفقة القرن”، كأنما الاوطان والشعوب في سوق النخاسة تُباع وتُشترى بصفقات مهينة تضمن المصالح الاميركية بعنوان اسرائيل.
وها هي امارة البحرين التي غدت “مملكة” بسحر ساحر، والتي تخضع للهيمنة السعودية ـ البريطانية ـ الاميركية، تفاخر باستضافتها هذه القمة التي لا تعني غير التآمر على القضية الفلسطينية وبيعها في مناقصة علنية بطلاها ادارة ترامب والصهيونية العالمية ممثلة بإسرائيل..
وأمر طيب أن تُعلن اكثرية الدول العربية، سواء كانت بين “الرعاة” او بين المدعوين مقاطعتها لهذا المؤتمر المشبوه والتي يدفع بالتآمر على القضية الفلسطينية (والمستقبل العربي معها) إلى ذروته.
في أي حال فليس هذا المؤتمر “الخطيئة الاصلية” الوحيدة التي ترتكبها حكومة البحرين وأميرها الذي اراد العلو والرفعة فنصَّب نفسه ملكاً عل جزيرة صغيرة في الخليج العربي.. ولأنه يستفيد من النفخ في رماد الفتنة النائمة في البحرين بين السنة والشيعة، فهو حاول دمغ الشيعة من شعبه بعار الخيانة وهكذا اوفد مجموعة منهم إلى الكيان الاسرائيلي تقصد أن يكون رئيس وفدها شيخ شيعي معمم يحاول التبرير بأنهم انما جاءوا فقط للتبرك بالمسجد الاقصى في القدس الشريف، وليس للزيارة اية دلالة سياسية!.
وصحيح أن منظمة التحرير الفلسطينية (او ما تبقى منها) قد أعلنت مقاطعتها لهذا المؤتمر، لكن الرئيس الاميركي يستطيع أن يستدرج من الدول العربية من يغطي على غياب المنظمة بالزعم انه يمثل بنفس مثل ما تمثله المنظمة..
على امتداد مئة عام والتآمر مستمر على الأمة العربية بعنوان فلسطين: كان وعد بلفور البداية (سنة 1917)، ثم تلته معاهدة سايكس بيكو، لتقاسم المشرق العربي واعادة رسم خريطة كياناته: لبنان، سوريا، فلسطين، العراق، وابتداع الامارة الهاشمية في الاردن (التي ستحولها “النكبة” في العام 1948 إلى مملكة لعبدالله ابن الشريف حسين، بينما سيعطى العراق للنجل الثاني فيصل بعد أن رفضته سوريا ملكا عليها، وهرب من مواجهة القوات الفرنسية الغازية مع الجيش السوري الوليد في ميسلون).
ها هي الولايات المتحدة الاميركية تحتل المسرح الآن (ودائما بالشراكة مع الكيان الاسرائيلي) لإعادة صياغة المشرق العربي في ما اسماه الرئيس الاميركي دونالد ترامب “صفقة القرن”..
بالطبع فان واشنطن تعتمد على “اصدقائها المخلصين” في الجزيرة والخليج: السعودية والامارات (وقطر، وان تبدت غاضبة)، مع تحفظ من الكويت ينقص من قيمته “انفتاح” سلطان عُمان، قابوس، على اسرائيل واستقباله رئيس حكومته نتنياهو، من دون موجب او مبرر..
بعد قرن كامل، ها هو القرار في شؤون هذه الامة، في حاضرها ومستقبل اجيالها، اقتصادها وتجارتها وزراعتها، في ايدي اعدائها..
وها هو الرئيس الاميركي الثرثار والمتجبر يتنطح لتقرير مستقبل هذه الأمة، فيكافئه رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو بإطلاق اسمه على آخر مستوطنة تبنيها اسرائيل، الآن، في الجولان السوري المحتل..
بينما يماطل العدو الاسرائيلي مع الموفد الاميركي دايفيد ساترفيلد في ترسيم “الحدود” مع لبنان، في البر اساساً وفي البحر خصوصاً، تمهيداً للاستيلاء على نفطه، او على المشاركة ـ بالقوة ـ فيه.
ومن اصدق من المتنبي حين قال:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
تنشر بالتزامن مع السفير العربي