مع كل توتر على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل، يثور الحديث داخل لبنان، ثم يتفرع إلى الخارج، حيث يشارك فيه المواطن العربي فى كل مكان. يتبنى جانب من الشارع اللبناني منطقًا يقول إن التراشق العسكري بين حزب الله وإسرائيل من الممكن أن يدفع ثمنه اللبنانيون جميعًا على الرغم من أنهم ليسوا متفقين بالضرورة مع حزب الله وأجندته، ويقولون إن إسرائيل قد غزَت الجنوب اللبنانى عام 78، ثم احتلت بيروت عام 82 بسبب الوجود الفلسطيني، وقامت بضرب لبنان عام 2006 بسبب قيام حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين، وهؤلاء يؤكدون على حقهم أن يعيشوا في سلام دون أن يكونوا طرفًا في القضية الفلسطينية أو الصراع الإيراني الإسرائيلي.
هذا الكلام يبدو ذا وجاهة، خاصة أن أصحابه لم يزعموا أنهم مقاومون أو أصحاب قضية، لكنهم يقولون ببساطة: نريد أن نعيش ولا شأن لنا بالسياسة في هذه المنطقة الملعونة من العالم.
لكن مشكلة هذا الرأي الذي يتبناه قطاع من اللبنانيين أنهم يتحدثون كما لو كانت سويسرا هي التي تقبع إلى الجنوب من أراضيهم، وأنه يكفيهم أن يسالموها حتى تسالمهم وتمنحهم حُسن الجوار. ينسى هؤلاء الناس الطيبون أن الأردن لم يكن على خلاف مع إسرائيل عام 67، ولكن الخلاف كان مع عبد الناصر، ومع ذلك فقد اجتاح جيش إسرائيل الضفة الغربية واحتل القدس، ثم احتل الجولان ومازال يفرض سيطرته عليها.
ينسون كذلك أن إسرائيل كلها قائمة على أرض محتلة تم تهجير أصحابها وارتكاب المذابح ضدهم. ولماذا نذهب بعيدًا؟ إن مزارع شبعا هي أرض لبنانية تحتلها إسرائيل دون مسوغ قانوني، فهل لو اختفى حزب الله من الوجود ستقوم إسرائيل بإعادة مزارع شبعا إلى الحمائم اللبنانيين الذين يريدون السلام؟
سؤال آخر: هل حزب الله هو السبب في قيام إسرائيل بالتنقيب عن البترول في مياه تدخل ضمن نطاق الحدود البحرية للبنان؟ ما أود قوله هو أن إسرائيل دولة في غاية الشراسة، وأنها بعد أن تذوقت اللحم العربي لن تنفطم طواعية وتمنع نفسها عن التهام المزيد منه.
لقد علّمنا التاريخ أن أي دولة تشعر بأن لديها فائض قوة فإنها تتطلع للتوسع والتعبير عن نفسها عسكريًا، ولو أن الدول العربية سالمت إسرائيل على قاعدة إسرائيل القوية والعرب منزوعي السلاح فإن أراضيهم سيتم قضمها تباعًا، وما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية ـ التي هي باعتراف العالم كله أرض فلسطينية ـ من بناء مستوطنات ليس خافيًا على أحد.
لسنا ضد السلام لكن يجب وجود جيش لبناني قوي قبل الحديث عن السلام، لكن عندما يكون جيشك بلا طيران أو دفاع جوي أو قوة صاروخية أو دبابات حديثة فلا يجب أن تلوم بعض بني وطنك عندما يعوضون تواطؤ القوى الدولية ضد جيشك، ويمنعون إسرائيل لمدة ثلاثة عشر عامًا متصلة من الاعتداء على لبنان. بدون القوة لا يوجد سلام.. المتاح هو العِمالة!.
• نعيد نشر هذا المقال تكريما لوعي كاتبه، اسامة غريب، وصحيفة “المصري اليوم” التي نشرته في 7 أيلول الجاري.