كتب شاعر لبنان ودمشق ومكة وفيروز والقدس والشام مئات المقالات بل الآلاف، ونشرها في صحف كثيرة بينها “السفير”، وقبلها “لسان الحال”.. لا سيما خلال سنوات الحرب الاهلية.
كان معظم المقالات أعلى مستوى من فهم “العامة” بقدر ما كان شعره رائع المضمون لعميق المعنى وشفافية اللغة وتناغمه مع ذائقة الجمهور العريض من مقدري الشعر العربي وحفظته من عشاق المتنبي..
ذات يوم، خلال الحرب الاهلية، وبينما جحافل جيش العدو الاسرائيلي تتقدم لاحتلال بيروت، فوجئنا بشاعرنا العظيم يطل من على الشاشة الاسرائيلية في مقابلة استثنائية.
كان الحدث موجعا: أن يطل أكبر شاعر عربي معاصر من تل ابيب امر لا يمكن قبوله او احتمال تداعياته..
وجاءنا سعيد عقل، على عادته بين الحين والآخر، فسألته عن المقابلة، فقال بهدوء: إن مي المرقد استدرجته عبر مكالمة هاتفية، ولم ينتبه إلى خطورة الامر..
ثم استدرك فأضاف قائلا: ثم أن الامر ليس بمثل هذه الخطورة، فهذه مصر قد اعترفت بإسرائيل، وكذلك الاردن.. فماذا في أن يتحدث سعيد عقل إلى اذاعة تل ابيب؟
قلت: مع احترامي وتقديري العظيم لك كشاعر قد يكون الاكبر بين شعراء العرب، فإنني لا استطيع قبول هذا “التبرير” لهذه السقطة من سعيد عقل.. على هذا فإنني اعتذر عن عدم نشر مقالاتك في “السفير”، مع انها خسارة كبيرة لجمهور قرائنا الذين نحرص أن يبقوا على تقديرهم لك، مثلنا، كواحد من اهم شعراء العربية.. ونتمنى أن تتفهم موقفنا المبدئي، مع اعتذارنا عن اضطرارنا لاتخاذه، حرصاً على صورة سعيد عقل عند ملايين العرب المعجبين به كشاعر عظيم، وبشعره الذي كاد يكون فريداً في بابه.
لم يعلق سعيد عقل، على القرار، بل حيا وانصرف وهو يهز رأسه بشعره الابيض الطويل والمجعد، مستغرباً “سذاجتنا”..