لا يمكن لأي بلد عربي، أية مدينة، قرية، ناحية، حارة.. أن يحلم بسيناريو مشابه لما حصل في نيويورك اليوم مع انتخاب “الهندي المسلم المتزوج من سورية مسلمة” عمدةً للمدينة.
والحقيقة أن الناخبون الأميركيون تجاوزوا في طريقة تصويتهم كل حدود الجنس والعرق واللون والدين مرةً واحدة، وركزوا على الشيء الوحيد الذي يجعل من الانتخاب عملية تستحق خوضها: البرنامج والشخص ومايمكن أن يقدمه من خلال عمله. نقطة على السطر.
لنتخيل سيناريوهات عربية خُلبية:
– انتخاب هندي بوذي عمدة لمدينة الرياض
– انتخاب فيليبيني مسيحي عمدة لمدينة الدوحة
ولأن طموحاتنا ليست على هذا المستوى فلنتخيل أكثر:
– انتخاب مواطن عربي من خارج المنظومة السياسية المافياوية لأي منصب حساس في أي بلد عربي
– انتخاب شيعي في محيط سني
– انتخاب مسيحي في محيط مسلم
– انتخاب إمرأة في محيط ذكوري
– انتخاب مُثلي اعتماداً على كفاءته…
وبما أننا بعيدون عن كل هذا، سيبقى مثال زهران بعيد المنال، فليس هناك من دستور واحد (إن وُجد) في أي بلد عربي يسمح بهذا الشطط.
لن يكون من المُستغربْ أن يكون الحكام العرب أول المراهنين على فشل زهران وأول الخائفين من نجاحه… هو مالا يجب أن يكون، وعلينا أن ندور جميعنا في فلك سلاطين السلطة والطائفية والخوف من الآخر…
لم يقل ناخبو نيورك ذلك، قالوا أن زهران يملك الحق أن يرشح نفسه وأن يمثلهم دون أية اعتبارات أخرى.
زهران هو الصورة المعاكسة لأحد مجانين العصر، ترامب الذي لا يرى في الآخر سوى لون جلدته ودينه، أو حجم محفظته. ومن يراقب حجم الاستياء الذي أصاب أطراف اليمين المتطرف وحلفاء الحكومة الاسرائيلية في العواصم الغربية، لا شك لاحظ مدى الرعب من التغيير الذي يشير إليه انتخاب شخص يناقض كل الطروحات السائدة عن التطرف الإسلامي ومعاداة السامية وعدم قدرة المهاجرين على الاندماج في أماكن تواجدهم.
ترامب نفسه الذي يفتتن به عرب كثر، والذي يتحول مجرد اللقاء به إلى حدثٍ تاريخي بينما.. يسير التاريخ في اتجاهات أخرى، اتجاهات تقول أنه لابد من الإيمان بالإنسان وطيبته وقدرته على رؤية ذاته في عيون الآخر المختلف.
هنيئاً لراما الدوجي ولزهران ممادي، هما وجهٌ من وجوهنا الغائبة والتي نتمنى أن تصبح معياراً في عالمنا الذي لايزال يبني جدران الطائفة والدين واللون والعشيرة محطماً بذلك الإنسان المختبئ، خلف كل الحدود.

