نشر في جريدة “السفير” بتاريخ 24 تموز 2015
أستأذن في نشر هذه الكلمات التي قد تبدو شخصية حميمة، ولكن عذري أنها تتناول العلاقة بين «السفير» والعاملين فيها واستطراداً مع جمهورها.. وإن اتخذت شكل رسالة ودفاع لشريك أول في نجاح «السفير»، هو ياسر نعمة.
يصعب تقبل الافتراق بين من عاشا معاً أزهى سنوات العمر وأصعبها وأعظمها مخاطر وأغناها إنتاجاً ونجاحاً في أقسى الظروف التي عبر فيها هذا الوطن الصغير مجموعة من الحروب الأهلية/ العربية/ الدولية، وكانت الصحافة بين أوائل ضحاياها.
لقد أعطى ياسر نعمة «السفير» مثلما أعطتها نخبة ممن جاؤوها أو اختاروها كرسالة، معظم سنوات عمر الإنتاج، شريكاً معي في الهموم الثقيلة كما في فرح الإنجاز، مسؤولاً عن الإدارة الداخلية والمالية في زمن الشح وصولاً إلى الغرق في الاستدانة و «التشاطر» أو الاعتماد على الرصيد المعنوي لتأجيل الاستحقاق..
وكان طبيعياً أن تلتقي أسرة «السفير» لوداع ياسر نعمة تكريماً لجهده طوال ثلاث وأربعين سنة حافلة بالنجاح والصدمات ومحاولات الاغتيال والتفجيرات التي استهدفت بعد البيت المطابع ثم شخصي وفي وجهي.
لا أكتب رسالة وداع، إنما أكتب شهادة وفاء لتاريخ حافل بالنجاحات والآلام، فلقد آن أن نسلّم الراية لجيل جديد نشأ برعايتنا معاً، واكتسب خبراته بإشرافنا معاً، وأظن أن ياسر يشاركني اليقين بأنه سينجح بإذن الله، لأن زاده من الخلق يوازي أو يزيد على زاده من العلم.
لقد عشنا في قلب الصعب، على حافة الموت، ونجحنا. ولك في هذا النجاح فضل لا يُنكر.. فكنت رفيقي في التعب والسهر والبحث عن الجديد المختلف، واقتحام الصعب وتحمل تبعات الصدام مع الصديق قبل الخصم.
لكل سنة من الاثنتين والأربعين سجلّها الحافل من العذاب من أجل الاستمرار، ومقاومة الغلط. لكأننا عشنا أربعة أعمار أو خمسة أو ربما أكثر في قلب المستحيل، وطوّعناه حتى صار ممكناً.
لقد تحدينا ظروفنا القاسية وانتصرنا: قاومنا الاغتيال والنسف والمصادرة والمنع والاتهامات المتجنّية، واستطعنا أن نحفظ شرفنا، كأفراد، وكمؤسسة التزمت أن تكون للناس، منهم ومعهم. أخطأنا كثيراً، لكننا أنجزنا أكثر، بل يمكننا القول إن استمرارنا ـ المعجزة يشهد لنا بالنجاح، خصوصاً وأننا لم نخن ما نؤمن به.
تحملتني بفوضويتي، حاضراً وغائباً. وحملت أعباء الوقوف على حافة الإفلاس، مراراً وتكراراً، وحماني إخلاصك من كوارث عدة.