لأننا من قوم يهزهم الطرب ويستمتعون بالفن الجميل، فقد ساقتنا المصادفات إلى لقاء سيظل مفتوحاً طيلة عشر سنوات او اكثر، حتى ذهبت قذيفة مدمرة بالطرب والفن الجميل والرقيق والمطرب ـ ولا احتراف ـ حتى البكاء: ابراهيم مرزوق.. الذي كان امام الفرن يشتري خبراً لأطفاله.
كان ابراهيم مرزوق فناناً متمكناً: في الموسيقى العربية المعتقة والطرب الاصيل المنسي الآن (كصوت محمد عثمان واغنيته التي تأخذك ترجيعاتها والاعادة والسحبات المنشية والعود الذي ينهال عليك مطراً من طرب شجي: كادني الهوى..).
كان انسانا رقيقاً، يكره العنف والضجيج ومشاهد الناس الذين اذلهم الفقر. وكان يحب الجمال، ويعشق الالوان، ويتعبد للرسم ويرى في الموسيقى ذروة في الفن لا يطاولها الا المبدعون.. لذلك كان يفضل الغناء الاصيل والمعتق بمرور الزمن وتذوق اهل الاحساس.
بعدما تخرج من اكاديمية الكسي بطرس للفنون الجميلة، سافر إلى روما للدراسة العليا، ثم عاد إلى بيروت ليرسم دون طمع بجني الملايين من لوحاته.
ولقد كان لإبراهيم شلة من المعجبين المتذوقين لفنه، سواء عندما يعزف العود او خاصة حين كان يستخفه الطرب، لا سيما اذا كان بين الحضور المطرب الحساس حسين الخطيب ومعه شقيقه نبيه الخطيب الذي كان يعشق العود والعزف عليه، وقد يشارك غناء في الفواصل اضافة إلى العزف الرشيق.
ولسوف تختلف علينا الدنيا بعد تغييب ابراهيم مرزوق في تلك المذبحة الوحشية، اذ أخذنا الهم بعيداً عن ليالينا معه.. لكننا كلما اشتقنا اليه ادرنا الاشرطة المسجلة، لا سيما متى كان المبدع بهجت عثمان، رسام الكاريكاتور المصري الاشهر، او المخرج الفني الذي يجعل من اغلفة الكتب والمجلات لوحات رائعة، حلمي التوني، وهما مثلنا من اهل الطرب.. وشركائنا في الحزن على ابراهيم مرزوق الذي أطربهم كما أطربنا وأحيا لنا جميعاً أجمل وأزهى ليالينا.
لقد رحل ابراهيم مرزوق مقتولاً، وهو الذي كان يحب الناس جميعاً ويتمنى لهم اجمل الايام وازهى الليالي الموشاة بالطرب الاصيل والابداع في أي من الفنون الجميلة..
لكن لوحاته ما تزال تزين جدران بيوتنا ومكاتبنا، وروحه ما تزال ترف حولنا تحرضنا على ان نحيا الجمال في حياتنا، وان نحيا الحب في اعمارنا قبل أن يقصفها او يغتالها القدر.. الذي كثيراً ما حرمنا من مبدعين فاختطفهم ونحن نهم بمباشرة السهر معهم.