الهزة الارتدادية الهائلة التي أحدثتها حربا غزة ولبنان أعطت أولى نتائجها في حلب مما يجعل من توقيت معركتها خطيئة استراتيجية كارثية. الربط بين ما تحققه إسرائيل من مكاسب بالدم الفلسطيني واللبناني، وبين دخول حلب (بلا قتال؟) يضع الوحدات المقاتلة وهي جهادية أو اسلامية في أغلب مكوناتها، في خانة تركيا وهو تحصيل حاصل، وفي خانة إسرائيل وتلك نتيجة لا يمكن تجاهلها ولا التنصل من تبعاتها. فاسرائيل وهي اللاعب الإقليمي الأشد ضراوة وحنكة لن تتوانى عن التذكير بأنه لولا إضعافها لإيران ولحزب الله بالإضافة للجيش السوري، لما تمكنت الفصائل من دخول حلب بهذه السهولة. وهذا يشي باحتمالين، فإما كان التنسيق بينهما سابقاً ضمن سيناريو إقليمي محدد، وإما أنه لا مفر من التفاهم مستقبلاً. في الحالتين هناك ثمن لابد من دفعه.
ولكي يكون الكلام أوضح، فليس فيما سبق اتهامات مجانية بالعمالة لأي كان. القصد هو القول أنه، بوعي أم بدونه، لا يمكن بأية حال استبعاد اللاعب الاسرائيلي وهو الأكثر قدرة على انتهاز كل الفرص لصالحه، وأن المخاطرة بالدوران في فلكه لا يمكن تجاهلها ولا الاستهانة بنتائجها. والواقع أنه لا يمكن تصور ما يجري دون أن يكون للدول الإقليمية وحلفائها دوراً رئيساً في ترتيب خطته ونتائجه.
على صعيد الداخل السوري، لا يوجد أي أفق استراتيجي لما يجري في حلب اليوم، ولا رابطَ يربط الحدث حقاً مع ربيع العام ٢٠١١ الذي خابت وخبت كل تطلعاته. ما يجري هو كارثة إضافية على الناس ضمن صراعٍ اقليمي معقد قد تجعل من حلب غزة ثالثة بعد الدمار الهائل الذي شهدته في الأعوام السابقة. وهي معركةٌ اذا مات حقق النصر فيها للفصائل المقاتلة يعني اتساع الهيمنة التركية على الشمال مما يكرسها احتلالاً فعلياً. وهو وضع لن تنسى إسرائيل المطالبة بحصتها من ثماره.
وفي هذا السياق، يوحي انسحاب الجيش السوري دون قتال فعلي، أنه كان على دراية بما سيجري، وهو انسحاب يذَّكر بانسحابه من تدمر أمام هجوم الدولة الإسلامية آنذاك مما قد يعني أن تراجعه دون اشتباك فعلي هو تهيئة لمراحل مستقبلية لم تتضح معالمها لنا بعد.
كل هذا لا ينبئ بخير. ومعركة حلب القادمة إذا ما حصلت، ستكون طاحنة على سوريا كلها، الجغرافيا السورية آخذة بالتغير، هذا ما هو حاصل والتهديد الحقيقي هو للأرض السورية التي باتت مقسمة فعلياً، وهو تهديد بات يطال دولاً وشعوباً مجاورة نتساوى معها في بؤس الحال وغياب أي أفق.