وفي اليوم الحادي والتسعين، يبدأ العد في العشر الأواخر من الأيام المائة الأولى من الحرب الوحشية على شعبنا. ومع كل يوم يمر، يقترب يوم نصر شعبنا وعودة حقوقنا إلينا.
يبدو أن إسرائيل الرسمية تتلعثم في كل حديث يدور حول “اليوم التالي” في قطاع غزة. وفيما يطلق المتطرفون في الحكومة تصريحات حول مسح غزة عن الخارطة، والرغبة في جعل مستوطني غلاف غزة يرون البحر أمامهم مباشرة، يستمر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مناقضة نفسه. ويقود ذلك كلّه إلى جعل خطة الجيش الإسرائيلي هي الخطة الأوفر حظا باعتبارها مخطط إسرائيل الرسمي في مواجهة كل من المطالب الأميركية، والرفض الدولي، والصمود الفلسطيني.
وقد نقلت إذاعة الجيش عن وزير الحرب يوآف غالانت قوله إن إسرائيل ستحافظ على حرية عملها العسكري في القطاع من دون أيّ قيود، وأنها لن تدير الشؤون المدنية في غزة بل سيديرها “فلسطينيون ليسوا من أعداء إسرائيل”. ويبدو أن كلام قادة العدو كلّه سيترجم في ورقة عمل تعرض الأسبوع المقبل على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لدى اجتماعه مع قادة الكيان.
وبحسب صحيفة “معاريف”، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية شرعت في تسريب معطيات حول خطتها التي سيناقشها المجلس الوزاري المصغر قبل إقرار رده على المطالب الأميركية بشأن “اليوم التالي”. وتشير خطة المؤسسة الأمنية إلى أن إسرائيل ستحتفظ بالمسؤولية الأمنية عما يحدث في قطاع غزة، كما ستحتفظ في جميع الأحوال بحرية العمل العسكري الكاملة، ولكن ليس على المستوى المدني. وستكون إسرائيل مسؤولة عما يحدث في القطاع، ولن يكون لها وجود مدني في أراضيه بعد “تحقيق أهداف الحرب”.
أما المسؤولية المدنية في القطاع، بحسب اقتراح المؤسسة الأمنية، فستتولاها أطراف محلية فلسطينية ستعمل بالتعاون مع “قوات دولية” ضمن قوة عمل سيتم تشكيلها بقيادة الولايات المتحدة، وبالتعاون مع دول أوروبا الغربية وعدد من الدول العربية المعتدلة.
وتنص المبادئ الأساسية التي صيغت حولها الخطة أن الهدف السياسي لليوم التالي للحرب هو أن “حماس” لن تحكم غزة، وأن إسرائيل لن تحكم القطاع مدنيا، وأن العناصر الفلسطينية التي ستدير فعليا الجانب المدني من الحياة في غزة لن تكون معادية لإسرائيل ولن تتمكن من العمل ضدها.
وقالت “معاريف” إن عناصر المؤسسة الأمنية التي تصوغ الاقتراح حاليا تقوم بذلك بالتنسيق مع كل من البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، مشيرة أن العمل على الشكل النهائي للاقتراح مازال مستمرا.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن الاقتراح الذي سيطرح للمناقشة في مجلس الوزراء في الأسابيع المقبلة سيقف على أربعة “رؤوس”:
- ستكون إسرائيل مسؤولة عن توفير المعلومات الهادفة إلى توجيه الأعمال المدنية لفريق العمل متعدد الجنسيات المتخصص، والذي سيتم تشكيله لغرض إعمار غزة. ونظراً للحاجة الأمنية، ستقوم إسرائيل بإجراء تفتيش لأي بضائع تدخل إلى القطاع.
- ستقود الولايات المتحدة القوة متعددة الجنسيات بالشراكة مع دول أوروبا الغربية ودول الخليج المعتدلة، الأعضاء في اتفاقيات إبراهيم. وستتولى القوة مسؤولية إعادة التأهيل الاقتصادي والمادي لقطاع غزة، وستكون العنوان الرئيسي لجميع الأطراف الدولية المهتمة بالمساعدة في إعادة إعمار القطاع من الدمار الهائل الذي لحق به خلال الحرب.
- ستكون مصر بمثابة جسر الدخول المدني إلى القطاع وستكون بمثابة “محطة رئيسية”. وتشير التقديرات إلى أن التعاون مع المصريين سيكون مهمًا ومحوريًا لأي حل. وفي ما يتعلق بمحور فيلادلفيا والخط الحدودي بين قطاع غزة وبين سيناء، يبدو أن النية تتجه لتنفيذ عملية “عزل فعال” للحدود باستخدام وسائل تكنولوجية فوق الأرض وتحتها. وفي الواقع، فإن الهدف هو فرض سيطرة إسرائيلية مصرية مشتركة على المعبر الذي تدخل البضائع عبره إلى قطاع غزة، وستعمل تل أبيب والقاهرة معًا على بنائه.
- سيتم بناء الكيان الفلسطيني الذي يسيطر على المنطقة على أساس الآلية الإدارية القائمة في غزة. وهناك حوالي ثلاثين ألف شخص في قطاع غزة يشكلون الآلية الإدارية الفعلية منذ عقود. وتشير التقديرات إلى أن نسبة معينة من هؤلاء السكان مازالت مرتبطة بحماس، لكن معظمهم ليسوا معادين ويرتبطون باللجان المحلية الموجودة في المدن نيابة عن السكان.
وستكون اللجان بمثابة “نقاط واجهة” للقوة المتعددة الجنسيات، ومن المتوقع أن تتم الموافقة على أعضائها من قبل إسرائيل من خلال الشاباك ومنسق العمليات في المناطق. ولدى إسرائيل بالفعل خريطة للعشائر المحلية والحكومة في مناطق قطاع غزة، ومن المتوقع أن تشكل أساساً لواقع الغد.
ومازالت هذه المبادرة في طور العمل، ومن بين أمور أخرى هناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى استكمال، وعلى رأسها مسألة تطبيق القانون والنظام في القطاع.
وطبعا، فإن الرأي الإسرائيلي السائد حاليا يرفض أن تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة المدنية على غزة، ومن المفترض أن الولايات المتحدة “تتفهم ذلك” أيضا.
لكن، من الممكن أن تصطدم خطة “اليوم التالي” باختبارها الأول في غزة في وقت ليس ببعيد، وسيتعين على الحكومة أن تتخذ قرارا قريبا.
فخطة المؤسسة الأمنية تنص أنه مع الانتقال المتوقع إلى المرحلة التالية للحرب في شمالي القطاع، سيتم خفض عدد القوات العسكرية على الأرض، وستعتمد العمليات بشكل أكبر على الغارات الفورية، إلا أن الجيش لن يسمح للفلسطينيين بالعودة إلى الشمال إلّا بعد إتمام صفقة أخرى لإعادة المختطفين.
وفي مؤشر على الانقسام في الكيان، اعتبر مسؤول كبير في مجلس الحرب الوزاري: “أن عرض وزير الدفاع أمام وسائل الإعلام ليس سوى اقتراح بين اقتراحات أخرى. سيتم اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء السياسي الأمني، وليس في وسائل الإعلام”.
وكان وزير الحرب يوآف غالانت قد شدد في حديث مع الصحافيين على أن النية في كل الأحوال هي أن تستمر الحرب حتى تحقيق أهدافها وهي: عودة المختطفين، وحرمان “حماس” من القدرات العسكرية والحكومية وإنشاء كيان كامل، وحرية العمل للجيش الإسرائيلي للتصرف في غزة ضد أي محاولة لإنشاء قوة عسكرية من شأنها أن تهدد إسرائيل، على خلفية الانتقال الذي بدأ بالفعل في شمالي قطاع غزة إلى المرحلة الثالثة من الحرب.
وشرح أن المقاتلين سيركزون الآن على الغارات التي سيكون هدفها قضم جيوب المقاومة المتبقية لحماس في الميدان، وفي الوقت نفسه العمل على تعزيز البديل الحاكم الجديد في اليوم التالي.
وبحسب غالانت، فإن القوات المتواجدة في وسط القطاع تقترب أيضًا من الوصول إلى وضع مماثل لما سيسود في الشمال خلال الأيام المقبلة. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تستمر العمليات المكثفة في جنوبي قطاع غزة، وذلك في إطار محاولة الوصول لقادة حماس ومحاولة إيجاد المزيد من المختطفين.
أمّا نتنياهو، فكان قد أعرب في مقابلة أجراها مع شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، عن موقف يرى أن إسرائيل ليس لديها أي نية للسيطرة على القطاع على المدى الطويل بعد الحرب. لكنه، في محادثة أجراها في وقت سابق مع رؤساء المستوطنات في غلاف غزة، قال كلاما مناقضا لذلك، إذ أكّد أن “الجيش الإسرائيلي سيواصل سيطرته على قطاع غزة حتى بعد الحرب، وإسرائيل لن تعتمد على القوات الدولية”.
وقال أمام رؤساء المستوطنات أنه بعد القضاء على حماس، ستكون هناك سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على قطاع غزة، بما في ذلك نزع السلاح الكامل، لضمان زوال أي تهديد من غزة لمواطني إسرائيل.
ولكن نتنياهو في مقابلة مع الشبكة الأميركية قال إنه يريد إقامة حكم مدني في القطاع. وقال أيضًا خلال المقابلة: “نريد مستقبلًا أفضل وهذا يتطلب هزيمة حماس. لم أضع جدولا زمنيا لأنه قد يستغرق وقتا أطول. أتمنى أن يستغرق الأمر بعض الوقت.”
ويوم أمس، أعلنت وسائل الإعلام الصهيونية أن نتنياهو أبلغ أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة أنه اقترح إنهاء الحرب مقابل إعادة الأسرى وإجلاء قادة حماس يحيى السنوار ومحمد الضيف من غزة. ومن البديهي أن مثل هذا الاقتراح ليس أكثر من لعبة سياسية على أهالي الأسرى قبل أي أحد آخر.