“هل للهزيمة مقر يمكنك متى بلغته أن تفترض أنك قد عثرت على نقطة بداية جديدة؟! وهل بعد هزيمة مزلزلة كالتي فرضها الطاغية على العراق والأمة يمكنك أن تستنقذ ما ينفعك وما هو ضروري من أجل النهوض وتبين معالم الطريق نحو أهدافك الأصلية؟! خصوصاً وأن هزيمتك متعددة المستويات: من الوطني إلى القومي إلى الأممي، أو بلغة عقائدي الأيام الغابرة؛ من الذاتي إلى الموضوعي، تمتد لتشمل كل الأفكار وكل المسميات وكل الناس في أربع رياح الأرض، فموسكو تكاد تصبح مثل باريس وبون وطوكيو “حليفاً” اضطرارياً صعب المراس لكنه أعجز من أن يتحول إلى خصم، ناهيك بالعدو، يشاكس ويعاند ويتردد ويحاول التعديل ثم لا يجد بداً من الموافقة بشرط أن يحفظ ماء وجهه باعتباره “عزيز قوم ذل” إذن من أين تكون البداية، وما هي الأولويات بحسب مقتضى الحال، ومن هو المذهل والمطالب بأن يضيء في قلب هذا الليل البهيم شمعة، ومن يبادر فيخطو الخطوة الأولى محدداً الاتجاه الجديد نحو الأهداف القديمة، ولو مموهة حتى لا تكتشفها الأقمار الصناعية التي تقوم في كبد السماء، كعيون أميركية ساهرة على توطيد أركان الإمبراطورية الجديدة في أرجاء العالم، قديمه وجديده؟!” كانت تلك الكلمات تصدر ألماً موجعاً متسربل بألف تساؤل حول مصير العرب في فترة زمنية كانت فيها أميركا المنصر الأكبر بل الأوحد في ذلك العالم. فعلى امتداد العامين 1990-1991، بلغت التحولات الكبرى، التي عصفت بالكون، ذروة تجلياتها، مستولدة من الأحداث الجسام، ما حفر عميقاً في حركة تاريخ المنطقة العربية والعالم، وغيّرت مساراتها القديمة والتقليدية. ومن موقع الصحافي الشاهد على عصره، رصد طلال سلمان في افتتاحياته من “السفير” هذه الأحداث وتابعها نبضة نبضة، وغاص في دلالاتها، محاولاً التشخيص والتحليل والتفسير، متجاوزاً في بعض الحالات، إلى التحذير والنقد، باسم الوجع القومي، من هزيمة قائمة وهزيمة أخطر محتملة، وقد تمّ جمعها بين طيات هذا الكتاب على أمل أن يشكل هذا الحجر الذي يثقب ليل الهزيمة شهادة تخدم أولئك الساعين إلى بلورة فكر سياسي عربي جديد، أكثر دقة وتنوراً، يساعد عبر تراكمه في عودة الوعي واكتشاف الحقائق الكاملة، واستشراق آفاق الغد الأفضل، من أجل الخروج من نفق الهزيمة التي يحتجز فيه العرب كرهائن للأجنبي المهيمن كما للمحتل الإسرائيلي.