ليس من باب الواجب وليس بدافع الصداقة، وانما هي شهادة حق لفتية آمنوا بربهم وبالإنسان فزادهم هدى: هم اولئك النفر من الشباب (الجنوبي، اساسا) الذين تلاقوا على عمل الخير انما بصيغة اعظم نفعاً للناس واعظم اثراً في تأمين مستقبل افضل لجيل الشباب، على وجه الخصوص..
على امتداد نصف قرن، قدمت هذه الجمعية خدمات جلى، لكبار السن، وللشباب الطامحين إلى إكمال دراستهم العليا، لا فرق بين أن تتم في جامعات محلية او في جامعات العواصم العالمية..
ليس أشرف من “الشحاذة” لغيرك، ومن اجل المستقبل الافضل للمجتهدين والمجدين من ابناء الفقراء الذين لا يملكون كلفة التعليم الجامعي والتخصص في مجالات العلم المتخلفة (الطب، بفروعه، والهندسة والرياضيات الخ).
وليس اصدق من دعاء الاهالي الفقراء لهذه الجمعية بأركانها وداعييها، نتيجة تقديرها ذكاء ابنائهم ورغبتهم في إكمال تعليمهم إلى حد التخصص في المجالات التي يرون أنفسهم مؤهلين للنجاح والاضافة فيها.
ولقد عرفت جمعية التخصص والتوجيه العلمي منذ قيامها في العام 1969 نتيجة الصداقة الشخصية التي تجمعني بالعديد من روادها الفدائيين بطموحهم ورغبتهم في قهر دهر الحرمان والتخلف، والمساهمة في تقدم من تيسرت لهم إعانته للوصول إلى ما تؤهله له كفاءته واستعداده في مجال التخصص العلمي، وتحرمه قدرات أهله من تحقيق هذا الأمل الذي كان في مستوى الاحلام.
من حق القيمين على هذه المؤسسة أن يفخروا بإنجازهم ونجاحهم المفرد بحمايتها طوال دهر من التعب والجهد الدؤوب والاستعانة بروح الخير عند الاصلاء وكرام النفوس من أهلنا، ليستمروا فيها ومعها، طوال خمسين عاماً من السعي لتأمين المستقبل الافضل لنخبة من ابنائنا والاحفاد.
أن تطلب لنفسك فهذا تسول او استغلال.
أما أن تطلب لتبني لغيرك، من اهلك بأبنائهم وبناتهم، المستقبل الافضل فهذا شرف عظيم في الدنيا ونجاح في حجز مكان في الجنة،
وشرف لي انني قد واكبت عمل هذه الجمعية منذ البدايات.. وكنت افرح بإصرار القيمين عليها على تحدي اليأس والظروف القاهرة ونزعة البخل عند الاغنى من الناس، انطلاقاً من ايمانهم بأن التخلف في بيئتنا ليس قدراً، وان من يفتح ابواب المستقبل امام الجيل الصاعد والواعد والمؤهل لبناء الغد الافضل يستحق التقدير والاكرام.. قبل أن يبلغ الجنة، او وهو في الطريق اليها بصحبة جميل ابراهيم وعبد العزيز سويدان والمرشد علي بك اسماعيل، وسائر من بذلوا من مالهم او جهدهم لتأمين نجاحها واستمرارها في قلب الصعب.
إن بين من ساعدتهم هذه الجمعية من غدا من الاطباء المعروفين او من المهندسين المميزين وأساتذة وصيادلة وخبراء في مجالات علمية شتى..
واذا ما اعتمدنا قاعدة: من علمني حرفاً كنت له عبداً، فان “عبيد” هذه الجمعية من نخبة شبابنا تعد بالآلاف.. وهذا بين اسباب الزهو والرضا عن النفس الذي يرفرف فوقنا ويُدخل الفرح إلى نفوسنا.
مع هذه الجمعية ليس ثمة عبيد، بل نخبة من أبنائنا المتفوقين الذين وجدوا فيها ومعها الفرصة لأن يكملوا تحصيلهم العالي مؤكدين جدارتهم، من دون هدر كرامة أهلهم الفقراء أمام عجزهم عن تأمين الفرص أمامهم ليكونوا ما هم جديرون به من مواقع في مختلف المجالات بكفاءتهم التي تحفظ لأهلهم رؤوسهم مرفوعة.
ولقد عوضت هذه الجمعية، التي قام على رعايتها نخبة من أهل الخير بعض النقص والإهمال الرسمي لرعاية الطلاب الفقراء العاجزين عن إتمام دراستهم الجامعية، سواء في الداخل أو في الخارج..
ونتيجة الدأب والإصرار والتواضع والإقدام على طرق أبواب القادرين والميسورين فقد تمكنت جمعية الخير هذه من توفير المنح لثلاثة آلاف طالب، حتى اليوم، في فروع الهندسة والصيدلة والطب، بينهم 650 طالباً في الدراسات العليا.. وهي لا تكتفي بتأمين الدراسة في الجامعات المحلية، بل إن الجمعية قد أوفدت نسبة ملحوظة من الطلاب إلى الجامعات في كل من فرنسا وايطاليا واسبانيا وبلجيكا وسويسرا.
أن هذه الجمعية، وبمعزل عما يربطني من ود بالمؤسسين والناشطين لاستمرارها في أداء مهمتها النبيلة، علامة مضيئة في سماء التآمر على التعليم الرسمي الذي كان يوفر فرصة التقدم أمام الطلاب الفقراء، والذي أهمل فضيعهم حتى لو كانوا من بين المتفوقين في دراستهم والمتشوقين إلى المتابعة حتى بلوغ القمة.
من هنا فإنني أتقدم من رعاة هذه الجمعية والساهرين على استمرارها في قلب الصعب، بتحية تقدير، متمنياً للمؤسسين، وأبرزهم جميل ابراهيم وعلي اسماعيل ورفاقهما، الصحة والتوفيق وأن تتزايد أعداد الملتحقين بهم لخير الجيل الجديد الطامح إلى مستقبل أفضل وللجمعية دوام النجاح.
فمع دولة عمياء أو عوراء لا ترى مواطنيها جميعاً ولا تعمل لتقدمهم بحسب كفاءاتهم، ولا تيسر فرصة التعليم العالي لكل قادر على التحصيل، فتفتح الباب أمام الجامعات الخاصة التي لا يصلح بعضها حتى كمدارس ثانوية، والتي تجبي من عرق الأهالي الطامحين إلى فتح أبواب المستقبل أمام أبنائهم.. أمام مثل هذه الدولة لا بد أن تتقدم الطلائع المعنية بهموم الناس لتحاول التعويض حيث تقدر ويساعدها أهل الخير على الإنجاز.
مع مثل هذا الواقع يصبح لحضور هذه الجمعية، وأمثالها مهما كانت قليلة، أهمية قصوى ليس كمهمة بل كخطوة بجيلنا الجديد نحو مستقبل أفضل.
مبروك لهذه الجمعية الرائدة، بمؤسسيها الذين دفعوا من وقتهم ومن جيبوهم (وأكثر من جيوب الآخرين) لكي يتحقق ما يتمنونه لأجيالهم الجديدة من نجاح وتخصصات تؤهلهم لأن يسهموا في بناء الغد الافضل لوطنهم الذين يكون بالعلم والتقدم وهويته الوطنية ولا يكون بأهل الاقطاع ولا تجار الطائفية.
مبروك لجمعية التخصص والتوجيه العلمي الرائدة في خدمة من نعلق عليهم آمالنا في بناء الغد الأفضل..
كلك ذهب يا علي بيك..