من زمان، اختفى من الحياة السياسية “الزعيم الشعبي” الذي لا فضل لأحد أو لجهة في صنع زعامته وتقديمه للناس على أنه الممثل الفعلي والشرعي لهم.
ربما تحفظ الذاكرة أسماء “زعماء شعبيين” من طراز أحمد الأسعد بطربوشه الشهير، وكمال جنبلاط بحزبه التقدمي الاشتراكي أو حتى من دون الحزب، وبالطائفة وفي مدى أبعد منها وأوسع من حدود لبنان.
أما معروف سعد، الذي كان ضابطاً في الشرطة وتركها وذهب متطوعاً للدفاع عن فلسطين، وعاد الى صيدا ليحمل قضايا أهلها ومطالبهم وحقهم في حياة أفضل، فقد صنع “زعامته” بوصفه ابن الشعب وممثله الشرعي، خصوصاً وان صيدا كانت عاصمة الجنوب كله، بمسلميه، سنة وشيعة، ومسيحييه ودروزه في سفوح جبل الشيخ.
ولقد تمكن معروف سعد، المقاتل في فلسطين، والمناضل من أجل حقوق الصيادين خصوصاً، والفقراء عموماً، من الوصول الى المجلس النيابي، ورفع صوت “المحرومين” تحت قبته، من دون أن يعفيه ذلك من الاستمرار في العمل الشعبي وتصدر التظاهرات المطالبة بحقوق بسطاء الناس ومنهم الصيادون الذين يصارعون الأمواج لتحصيل رزقهم سمكاً كبيراً وقريدساً وسلطان ابراهيم.
كانت البلاد على شفا حرب أهلية مؤجلة… ومع ذلك فقد عمد بعض رجال المال الى انشاء شركة خاصة تسعى لاحتكار السمك وبيعه بما يناسب مصالحها، وبمعزل عن حقوق الصيادين الفقراء واخوانهم وأقرانه من أبناء الأحياء الشعبية في صيدا خصوصاً والجنوب عموماً..
هكذا في واحدة من التظاهرات الشعبية ذات الأهداف السلمية، تصدت قوى الأمن للمتظاهرين، ويبدو أن بعض العملاء المندسين أو بعض رجال الأمن المكلفين، تقصدوا التصويب على معروف سعد فأصابوه بجراح قاتلة..
وطال علاجه من دون امل بالشفاء حتى توفي، بعد أيام لتشيع صيدا ومعها جماهير من أنحاء لبنان كافة هذا الشهيد ـ الزعيم الشعبي الذي لا يعوض: معروف سعد.
بعده بسنوات، لحق به نجله معروف وابنته ناتاشا، كما أصيبت زوجته بجراح خطيرة.
تحية لأسرة الشهداء بشخص الدكتور أسامة معروف سعد.