ليست الكتابة عن يوسف برجاوي إلا عبارة عن إستعادة لبعض تاريخ “السفير”، فلطالما كان “ابو فراس” طوال أربعين عاماً رفيق سلاح، بكل معنى الكلمة، ولطالما كانت “السفير” بيته وحضنه والأوكسيجين الذي يتنفسه يومياً.
لم يكن في جدول أعمالنا عندما قررنا أن تكون “السفير” كيف نملأ صفحاتها بأخبار الرياضة. فهذه اللعبة لم تكن تستهوي الكثيرين منا نحن المنخرطين في السياسة والثقافة، فكيف عندما تكون القضايا بحجم الحرب أو السلم؛ المقاومة أو الإستسلام؛ التغيير أو التقليد؛ العروبة أو الكيانيات الضيقة.
لم تجذب “السفير” يوسف برجاوي إلى صفوفها بل حصل العكس، فهذا الرجل ولد في الملاعب وليس على أسرة المستشفيات. ربما كان يحلم بالكرة وكرة القدم من قبل أن يولد. جاءنا “ابو فراس” ومعه تراكم علاقات وخبرة متواضعة في الميدان الرياضي، لكن “السفير” التي نافست منذ اليوم الأول لولادتها على إحتلال المقعد الأمامي، شكّلت رافعة بجمهورها المترامي الأطراف لأول من إستلم قسم الرياضة وظل مديره حتى لحظة الإقفال في الرابع من كانون الثاني 2016.
ولعل ميزة يوسف برجاوي عن الآخرين هو ذلك “الأزعر” الذي يكمن بداخله. هذا “الأزعر” الذي أدخل “السفير” إلى عالم الرياضة، بكل زواريبه وتعقيداته وقطبه المخفية. كان “ابو فراس” يقول إن ما عجزت المؤسسات الرسمية عن فعله تستطيع الرياضة أن تؤمنه. عشرات آلاف الشبان الذين يعانون فراغاً في زمن الحرب وبعده يمكن جذبهم بواسطة المادة الرياضية، من دون تعصب ولا فئوية ضيقة. ما هو بديل هؤلاء؟ أن يكونوا مجرد عصابات أو قطاع طرق أو مدمني ممنوعات أو.. وبالفعل إنضوى كثيرون في لعبة الأندية وتحزبوا لهذا أو ذاك، ولو أن البعض منهم شوّه اللعبة عندما دخلت إليها الطائفية والمذهبية وأمراض لبنانية أخرى.
“أبو فراس” هو أبو عجقة بكل معنى الكلمة، وهذا هو حال القسم الذي أسسه في “السفير”. ويسجل ليوسف برجاوي أنه حاول أن يرتقي بالمادة الرياضية اللبنانية، بدوائرها المحلية والعربية والدولية إلى حيث يجب أن ترتقي من ملاعب الأطراف في عكار والجنوب والبقاع وجبل لبنان، بالإضافة إلى بيروت، إلى نهائيات كأس العالم وبطولات العرب وآسيا. ندر أن تجد مناسبة رياضية إلا ويقتحمها “أبو فراس”، فكانت “السفير”، بشهادة شركات الإعلانات والتوزيع، تزداد رواجاً بفضل مادتها الرياضية التي تشبه “أبو فراس” وفريقه الرياضي، بلغتها الشعبية البسيطة جداً. ويُسجل ليوسف برجاوي أنه لطالما ورّط “السفير” بالملحقات والإصدارات الرياضية المميزة، لكنها كانت “توريطات” من النوع المحبب.
عندما إتخذت القرار بالتوقف عن الصدور في عز العطاء والحضور، كنت أفكر بالكثيرين من الزملاء الذين صارت “السفير” بيتهم وعقلهم وعلاقاتهم وهاتفهم ودفتر ملاحظاتهم وجواز سفرهم، ومن بين هؤلاء الزميل القدير يوسف برجاوي ومدير القسم الإقتصادي الزميل الراحل عدنان الحاج. ولطالما شهدت إجتماعات التحرير صولات وجولات بين هذين الزميلين الرياضيين “العارفين” و”الخبيرين” و”الفارسين”. رحم الله “أبو فراس”، وحمى عائلته وأحفاده.