أخيرا، وبعد شهور تسعة من المشاورات والمناورات والاستشارات والمؤامرات والمداولات النهارية واللقاءات الليلية، ولدت الحكومة الثلاثينية المباركة، فابتهج العباد ولعلع الرصاص ومعه الزغاريد تعبيرا عن الفرح بهذا الانجاز التاريخي.
تلاقى في الحكومة الجديدة خصوم تقليديون، وحلفاء طارئون، وحلت مشكلة التمثيل النسائي بإنجاز تاريخي اذ ضمت الحكومة الحريرية اربعة وجوه نسائية بعضها شهير، وبعضها معروف لصاحب الامر (ندى بستاني) وبعضها جئن يمثلن “القوات” تدليلاً على ايمانها بعدم التمييز بين الرجال والنسوة.
على أن “الحدث” كان في اعطاء وزارة الداخلية لسيدة، سبق أن كانت وزيرة في حكومات سابقة، ولكن ليس للداخلية.. ولقد تصرفت هذه السيدة، في احتفال التسلم والتسليم وكأنها “اخت الرجال” واستعرضت حرس الشرف بجدارة القائد وصاحب حق الإمرة.
لم يتوقف الناس طويلاً أمام الاسماء التي لا يعرفون العديد من اصحابها، واكتفوا بان اظهروا فرحتهم باستعادة “الصورة الطبيعية” لدولة المؤسسات ـ بمعنى رئاسة الجهورية، المجلس النيابي، مجلس الوزراء، ومن ثم الادارة التي سوف يخدمها الشعب..
ذهب بعض الفضوليين إلى تناول سيرة الذين خرجوا من دست الحكم، متوقفين امام ارصدتهم الجديدة في المصارف والعقارات، بينما الناس يعيشون ازمة حقيقية في بيوتهم، ويعجزون عن سداد متطلبات حياتهم: أقساط المدارس والجامعات الخاصة التي ازاحت من طريقها مؤسسات التعليم الرسمي، نفقات الطبابة والاستشفاء، تكاليف الحياة اليومية لعائلة متوسطة الدخل..
بالمقابل توقف بعض المهتمين بالتطورات السياسية امام خطاب وزير الخارجية، جبران باسيل، يوم 6 شباط، في ذكرى التفاهم الذي أعلن قبل اثني عشر سنة، بين “حزب الله” ممثلاً بسماحة السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر..
شكل ذلك اليوم، 6 شباط 2006، مدخلاً إلى تاريخ جديد للسياسة في لبنان..
ولسوف يختلف ما بعد 6 شباط 2006، عما قبله، اذ سيولد التحالف الجديد حياة سياسية مختلفة، ولن تتأخر تجلياتها عن الظهور: وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بعد ثلاث سنوات من الفراغ في سدة الرئاسة.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من رئاسة عون، ماذا اختلف في امور السياسة في لبنان عما قبل؟
جرت الانتخابات النيابية على اساس قانون لا هو نسبي تماما، ولا هو تقليدي، كما كانت العادة من قبل.. لكن النتائج لم تتغير جوهرياً، وبقي المال (وبالدولار الآن) هو الناخب الاول وصاحب الكلمة الفصل في أسماء الفائزين في امتحان الديمقراطية اللبنانية الفريدة في بابها..
لكن هذا الرئيس، ومعه المجلس النيابي، والرئيس المكلف، عجزوا عن تشكيل حكومة جديدة الا بعد تسعة شهور من الانتظار.
ولقد جاءت الحكومة على طريقة من كل زوجين اثنين… وكان على جمعها أن يتعارف عند التقاط الصورة التذكارية، قبل أن يندفع بعض الوزراء الجدد إلى تأكيد تفرده بالموقف عن كتلته النيابية..
سيري فعين الله ترعاكِ..
جبران خرج من اتفاق مار مخايل،
واللقاء التشاوري تمثل بعد مماطلة طويلة بوزير، لتكون اول صورة له في احضان جبران باسيل.
وفخامته مرتاح إلى ان الحكومة وُلدت بعد مدة الحمل الطبيعي..
والبلد على حافة الافلاس.. ولم يعد بوسع الساحر رياض سلامة أن يخترع المزيد من الابداعات لحماية الليرة من المضاربين..
وسعد الحريري جاء بمن يريد إلى حكومته التي ولدت بشق بطن البلد،
وقداسة البابا ذهب إلى ابو ظبي من دون أن يتوقف في بيروت، وأقام قداسه بحضور المليون مسيحي في مسجد الشيخ زايد عند عتبة الصحراء البلا حدود الا النفط… وكانت السعودية تتابع الصلاة وهي مملوءة بالغيظ: كيف تخطف منها امارة الشيخ محمد بن زايد هذه المناسبة المباركة وهي الارض المقدسة قبل أن يحكمها آل سعود؟! ولماذا خان هذا “الشيخ” مولاه “الامير” محمد بن سلمان شريكه في كل مجال.. الا هذا؟