… وعندما كدنا ننسى العدو، عدونا الوطني والقومي، العسكري والاقتصادي والسياسين عدو حياتنا وطموحاتنا ووجودنا ذاته، وبكلمة عدونا الحضاري، عادت المقاومة الفلسطينية المسلحة تنبهنا – وتنبه العرب كلهم – إلى العدو. وجوده العدواني أصلاً، احتلاله المستمر لفلسطين وغيرها من الأرض العربية، ثم إلى أهدافه ومخططاته التوسعية، وإلى كون لبنان ضمن هذه المخططات وليس خارجها.
وفي اللحظة التي أعلنت فيها المقاومة أن هدفها ساحة صهيون في القدس المحتلة، وليس عين الرمانة أو الدكوانة أو الأشرفية في بيروت،
في اللحظة عينها كان العدو الإسرائيلي يقول – بقنابله وصواريخه، بطائراته وزوارقه والمتسللين من الكوماندوس – إن هدفه تصفية أي عربي وكل عربي، يعترض على وجوده، أو يزاحمه في الوجود على الأرض ذاتها، فكيف بمن يقاوم هذا الوجود ويتصدى له؟
… وكان بعض السذج يتساءلون: هذه الأرض العربية المفتوحة، ببحرها وسمائها، أمام العدو الإسرائيلي ، كيف لها أن تضيق بوجود الشقيق الفلسطيني، المدافع عنها – حكماً – بدمه، الباذل روحه فداء لها ومنعاً للاقتحام الإسرائيلي وبالتالي الاحتلال الإسرائيلي؟
ووفقاً لمنطق هؤلاء السذج فإن جريمة الفلسطيني اللبنانية تصير أنه حاول أن يتحالف مع النوازع الوطنية في نفس المواطن اللبناني، ومع إرادة الحياة والبقاعء.
فالموت الإسرائيلي آت آت، ربما غداً، ربما بعد غد، بعد شهر، بعد سنة… موعده يقترب بمقدار ما تضعف إرادة المقاومة (اللبنانية والفلسطينية بل والعربية عموماً).
… والموعد يبتعد بمقدار ما تعنف هذه المقاومة وتشتد ويتأكد عبرها إصرار الشعب على حماية وجوده ذاته وليس فقط شرفه وعرضه وكرامته وغير ذلك من الاعتبارات المعنوية والأخلاقية.
والذين يقولون “لا للمقاومة” يقولون في اللحظة عينها وسواء أقصدوا أم لم يقصدوا “نعم للاحتلال الإسرائيلي”. أي إنهم يقولون، عملياً، “لا للبنان”.
والذين يصرون على بقاء لبنان بعيداً عن المقاومة الفلسطينية لا يمكن، ومهما كانت ادعاءاتهم، أن يكونوا قريبين من سوريا، أو من مصر، أو من العراق، أو حتى من السعودية، كبلد أي كشعب وأرض وتاريخ وانتماء قومي.
إن الموقف من المقاومة هو الموقف من العروبة، وهو الموقف من الوطن، رافضها رافض لبنان وكل العرب والقابل بها قابل به وبهم.
ذلك إنه لا مكان للبنان – الشقة المفروشة في منطقة تمور بالصراعات المتعددة المنطلقات والأهداف: منها السياسي ومنها الاقتصادي – الاجتماعي، منها الوطني ومنها القومي، منها الحضاري ومنها الصراع المسلح من أجل مجرد الوجود والبقاء والاستمرار.
تماماً كما أنه لا مكان في هذه المنطقة، وبالمعنى التاريخي، للممالك ولا للمماليك، لأمراء النفط والشيوخ، لسلاطين الظلام والتخلف… حتى الإمبريالية ستجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع الناس بلغة العصر فتقدم لهم بدل الملوك رؤساء جمهوريات، وبدل الشيوخ ضباطاً، وبدل السلاطين ثواراً مزيفين،
مرة أخرى، تقولها إسرائيل بالقصف والنسف، براً وبحراً وجواً: حدودي مدى طائراتي،
فهل آن لنا أن نفهم، أخيراً، إن عين الرمانة والأشرفية والدكوانة، والقاع أيضاً ودير الأحمر، وبالطبع صبرا والبداوي والنهر البارد، إضافة إلى الرشيدية، تقع كلها ضمن مدى طائرات العدو،
وهل آن لنا أن نفهم، أخيراً، إن إسرائيل تعاملنا كوحدة واحدة، حتى لو بدا إن انشطارنا نهائي وأبدي مكرس بنهور الدم المراق عبثاً؟!
وهل آن لنا أن نفهم، أخيراً، إنه من أجل لبنان أولاً يجب أن نقول، كلنا: نعم للمقاومة؟!
ويكفي ما سال من دماء لتأكيد حقيقة بسيطة: إن لبنان العتيق، لبنان “المحايد”، لبنان البلا طعم ولا لون ولا رائحة، قد زال تماماً من الوجود، وإن لبنان اليوم هو لبنان الحي، النابض، الحالم، الطامح، العامل والمقاتل من أجل أن يكون وطناً حقيقياً بأرضه وشعبه وعدائه لأعداء هذا الشعب وهذه الأرض الغالية.